الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 25 ديسمبر 2013 - 22 صفر 1435هـ

هل نقول: "نعم" لدستور وافقتْ عليه القوى المدنية المختلفة؟!

السؤال:

أريد أن أعرف مِن فضيلتك كيف نقبل بدستور وافق عليه الفلول والكنيسة والليبراليون والعلمانيون؟ ألا يكفي في ذم هذا الدستور ورفضه أن تكون كل هذه القوى راضية به ومدافعة عنه، ولا يمكن أن يدافع هؤلاء عن شيء يخدم الإسلام ويصب في مصلحته؟ ومن المرجحات في الأحداث السابقة أن الدعوة السلفية وحزب النور كانا في جانب وكان الفلول والكنيسة والعلمانيون واليساريون في جانب مخالف، واليوم في مسألة الدستور نرى الدعوة السلفية وحزب النور والكنيسة والفلول والعلمانيين والليبراليين في جانب واحد -بل يثني ممثل الكنيسة على حزب النور- ونرى غالب التيار الإسلامي في الجانب الآخر. فما جواب فضيلتكم عن هذا الذي ذكرتُ لك؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعجبًا لمن يقول ذلك!

هل إذا وافقونا على ما نريد مِن الحق نعود فنرفضه؛ لأنهم وافقوا عليه؟!

أليس قد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشيطان الذي علـَّم أبا هريرة -رضي الله عنه- آية الكرسي قبل النوم: (صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ) (رواه البخاري)، وصارت سنة لأهل الإسلام أن يقرءوها قبل نومهم؟!

ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المشركين في الحديبية: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) (رواه البخاري)؛ لأنهم قَبِلوا ما فيه تعظيم حرمات الله مع وجود شروط مجحفة ظالمة اشترطوها، وقَبِل النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلح مع وجودها؛ لأجل المصلحة الراجحة، وهي: الفتح المبين "وهي مصلحة الدعوة إلى الله في جو يأمن الناس فيه بعضهم بعضًا"؛ ولدفع مفسدة أعظم، هي: سفك دماء المؤمنين والمؤمنات المستضعفين المحبوسين بمكة، لكن مفسدة حبسهم وأذاهم أهون من مفسدة قتلهم (وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الفتح:25). أليس هذا ما فعلناه في الدستور؟!

أليس من الإنصاف أن تقرأ مواد الدستور ومواد الشريعة فيه؟! مثل: حكم المحكمة الدستورية سنة (1985م)، والذي يتضمن 5 أصول مهمة:

1- الإلزام للمشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية.

2- إلزامه بأن لا يلجأ إلى غيرها.

3- إذا لم يجد حكمًا صريحًا؛ ففي مصادر الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ما يمكِّن من استنباط الأحكام اللازمة.

4- أنه يعد ضرورة مراجعة كل التشريعات السابقة على دستور (1971م)؛ ليجعلها موافقة للشريعة الإسلامية.

5- أن التدرج في ذلك مرده إلى التدقيق العلمي والتأني، ومراعاة مصالح المجتمع "وليس للإباء ولا للاستحلال.

هل استطعنا أفضل من هذا من قبل بسبب الموقف السياسي؟!

ماذا تتصور عن موقف الملتحين والمنقبات في الشارع المصري، وعند مؤسسات الدولة لو كان كل الإسلاميين في صف الإخوان تحت خطاب التكفير والعنف المستخدم سابقًا وحاليًا، ومع هدف تدمير الدولة المعلن من خلال دعوات: "لم الفكة - اسحب رصيدك - اجمع الدولار - اتفسح طول اليوم بجنيه لشل المترو - منع الأضحية - دعوة المجندين والضباط لترك الخدمة في الجيش - ... !"؟!

وهذه الدعوات ليست مِن تأليفنا، بل هي معلنة على صفحاتهم، وكخطاب التكفير والعنف؛ حتى وُجد مِن الشباب مَن يمدح أعمال القتل، والتفجير، والتدمير العشوائي، ويراه قتالاً وشهادة في سبيل الله! وهذا بسبب الخطاب الجاهل البدعي المستخدم مِن رموز تُسمى إسلامية طالما سكتت عن قضية الحكم بغير ما أنزل الله، والولاء والبراء، بل وقعت في ضدها!

ألم يفتي أحدهم يومًا بقتال المسلم الأمريكي تحت الراية الأمريكية ضد المسلمين في أفغانستان؛ لهدم دولتهم الإسلامية واحتلالها؟!

ألم تشارك الفصائل المنتمية لتنظيمهم مع القوات الغازية، ومع الرافضة؛ لأجل هدم هذه الدولة؟!

ألم يصرِّح قادتهم بأن السيادة للشعب؛ فهو الذي يشرع، ولو أننا رددنا الأمر إلى "الأزهر" -كما كان ينص عليه دستور (2012م)- لأسسنا للدولة الدينية؟! كل هذا إرضاءً للغرب!

ألم يصرِّح قادتهم بحب الكفار ومودتهم، بل وترحموا على موتاهم -خلافًا للنص- مِن أجل ما قدَّموا لدينهم؟!

فكيف كان الحال سيكون في المجتمع الذي يحارِب بأكمله "عوام، ومؤسسات أمنية، وعسكرية، وقضائية، وإعلامية، ومخابرات، ودولة عميقة، وغيرهم" مَن تحوصلوا ضده، وعادوه وكفروه، وحكموا عليه بالجاهلية واستحقاق سفك الدم، وتدمير البلاد والعباد؟!

هل كان يسع "الدعوة السلفية" أن تتخذ مثل هذا الموقف في هذا الحال الذي حاولتْ منعه، ونصحتْ بوقفه؛ فلمْ يَقبل أحدٌ نصحها؟!

هل وصلتْ العاطفة الغائبة عن الوعي إلى ألا تدرك الأمر، وتعرف الحق من الباطل بهذه الصورة التي سألتَ بها في سؤالك؟! إلى الله المشتكى!