الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 18 يوليه 2013 - 10 رمضان 1434هـ

الجمع بين نصرة الحق وحقن دماء المسلمين

السؤال:

قرأتُ لبعض الناس المقولة الآتية: "وهذا يُعلم تلاميذه بداخل المسجد كيف يحفظ كل منهم متن حديث قول الحق في وجه الحاكم الظالم، ويتشدد في حفظهم لرواته وطرقه وكل شيء عنه... هذا والحاكم الظالم يقتل الناس في الشوارع بخارج المسجد، بل والمساجد المجاورة، وإن سأله أحد تلاميذه عن حكمه فيه صمت... فهل هذا علم؟! وهل هذا عالم؟! وهؤلاء طلبة علم؟!".

وأنا مقتنع برأي الدعوة السلفية بخصوص تجنب الحشد والحشد المضاد في ظروفنا الحالية من أجل حقن الدماء وعدم جر البلاد لحرب أهلية، ولكننا نرى إخوة مسلمين يذبحون ويقتلون في الشوارع وفي المساجد وهم راكعون وساجدون، فكيف نجمع بين وأد الفتنة وبين قول كلمة الحق في وجه السلطان الظالم وحماية المسلمين ودمائهم؟!

ومن المعلوم أن السلطان الظالم القاتل لشعبه لن يرتدع باستخدام الاتصالات الهاتفية والمؤتمرات والمحاولات السلمية بدون الضغط المباشر، فهو قاتل يستبيح ويستحل دم مخالفيه ومعارضيه. فما العمل؟ وكيف ننال حقوق المقتلوين  حقوقهم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقول الحق واجب، ونحن استنكرنا سفك الدماء وأحداث الحرس الجمهوري، وما زلنا نستنكر أي حوادث قتل من أي أحد، ومعلوم أن الفتن يقع فيها تأويل، وليس الاستحلال الذي ذكرتَ صحيحًا؛ فالاستحلال للمعلوم من الدين بالضرورة تحريمه كفر ناقل عن الملة، لكن أبواب الفتن فيها تأويل يمنع ذلك.

وما ذكرتَ من الضغط المباشر -فيما تزعم- فإنه يزيد القتلى والجرحى يومًا بعد يوم كما هو ظاهر، والتغيير بهذه الطريقة يزداد صعوبة كل يوم، وربما صار غير ممكن بالمرة، فلابد من النظر إلى المآلات، والقدرة والعجز.

وعمومًا حوادث القتل التي تقع في الفتن إن لم يقبل الأطراف طريقة الصحابة في حل المشكلة بما اتفقوا عليه من أن كل دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر، وكل مال أصيب بتأويل القرآن فهو هدر كما قال الزهري -رحمه الله-: "وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ هَدَرٌ".

نقول: إن لم يقبل الأطراف هذا الحل -وعفا الله عما سلف- فلابد من تحقيقات وبينات وشهود؛ ألم يطلب علي -رضي الله عنه- البينات في قتل الخليفة الراشد الشهيد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وليس مجرد مقاطع الفيديو وحكايات الناس؟!

أنا جازم بوجود جريمة، لكن اتهام شخص بعينه مع اختلاف الروايات أنا لا أستطيع أن أقبل فيه التهم المرسلة، وأنا لم أشهد ولم أرَ؛ فلا يطالبني أحد بمجرد روايته وغيره يحكي غير ما يقول، ونحن كنا متوقعين مثل هذا؛ ولهذا نهينا عنه، وكذلك نعلم أنه صدام غير متكافئ بالمرة فلا ينبغي الدخول فيه.