الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 17 يناير 2009 - 20 محرم 1430هـ

شكرا لليهود

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فلقد حملت هذه المحنة التي يعيشها إخواننا في غزة -بل وتعيشها الأمة كلها- حملت كثيراً من المنح، على رغم قساوتها وشدتها.

لقد أرادها اليهود وخططوا لها لمآرب عندهم، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وانقلب السحر على الساحر -كما يقولون-، وجاءت مع المحنة المنحة.

لقد جفت حناجر وأقلام العلماء والدعاة في تثبيت مبادئ وأحكام وأصول عند المسلمين، وكان المنافقون وعلماء السوء والطابور الخامس من هذه الأمة مع الجهال يشغبون على هذه الأصول.

واليوم الموقف أبلغ من الكلام، والصوت أشد تعبيرا من الكلام، وعلا صوت الحق على كل الأصوات.

فشكرا لليهود -ولا شكر لهم-؛ لأنهم أظهروا بالحقيقة والواقع والموقف قولَ الله -تعالى-: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)(آل عمران:118)، وقوله: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً)(التوبة:8).

ما رحموا رضيعا لا يعي من الأمر شيئا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة ثكلى؛ فقلوبهم أقسى من الحجر، قال الله -تعالى-: (أو أشد قسوة)(البقرة:74).

ولأنهم أظهروا عداوتهم للإسلام والمسلمين وصورتهم القبيحة التي يحاولون أن يجملوها دوما، ولو كان اسم حماس أي اسم غير حركة المقاومة الإسلامية لقبلوا الحديث معها، ولكن لأنها إسلامية، وترفع شعار الإسلام، فلابد أن تزول من الوجود، ويقبلون بالتفاوض مع "فتح"؛ لأنها تسير وفق أجندتهم، أما ظهور الإسلام على الساحة فلا يقبلونه؛ لأنهم يعلمون أن نهايتهم على يده كما صرح ساستهم وقادتهم ومؤسسو دولتهم.

يقول بن جوريون: "نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلا وبدأ يتململ من جديد".

وهذا شيعا بومان الكاتب اليهودي يصيح في هلع وفزع: "إن على أوروبا أن تظل خائفة من الإسلام، ذلك الدين الذي ظهر في مكة لم يضعف من الناحية العددية، بل هو في ازدياد واتساع، ثم إن الإسلام ليس دينا فحسب، بل إن من أهم أركانه الجهاد، وهذا ما يجب أن تتنبه له أوروبا جيدا".

وقال موشى ديان وزير الدفاع اليهودي سابقا: "حقا سيأتي يوم نخرج فيه من هذه الأرض، وهذه نبوءة نجد لها في كتبنا أصلا، ولكن متى؟ إذا قام فيكم -في المسلمين- شعب يعتز بتراثه، ويحترم دينه، ويقدر قيمته الحضارية، وإذا قام فينا -في اليهود- شعب يرفض تراثه، ويتنكر لتاريخه، عندها تقوم لكم قائمة، وينتهي حكم إسرائيل".

ولأنهم قتلوا السلام الذي يبحثون عنه، سلام الذل والمهانة لأمتنا، السلام الذي لا يخدم إلا اليهود ومصالحهم، حتى قال وزير مصري سابق: "لقد أخروا السلام عشر سنين قادمة، فكيف أسالم وأصافح من قتل أبي وأمي وأخي وزوجي وابني وصاحبي وجاري، من هدم مسجدي، وخرب داري؟!".

ولأنهم أظهروا عملاءهم والموالين لهم ومن يقف خلفهم.

ولأنهم أعادوا شيئا كبيرا من اللـُّحمة لأبناء الأمة، وشيئا من الوحدة والاتحاد، وظهر معنى قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات:5)، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) متفق عليه.

لقد ظهر تضامن فئات الأمة بأسرها -أطفالا ورجالا، وشبابا وشيوخا، ونساء- مع إخوانهم المسلمين في غزة، أعلنت الأمة كافة وقوفها بجوار إخوانها. أشعل اليهود روح الأخوة الإيمانية والمحبة في الله -عز وجل-، تألمنا لألم إخواننا، وبكينا لبكائهم، وسهرنا ندعو لهم.

ولأنهم أحيوا روح الجهاد في الأمة مرة أخرى.

ولأنهم أحيوا في الأمة معانٍ وعقائد حاولوا هم وأولياؤهم أن يقتلوها فينا، من الولاء والبراء، والأخوة الإيمانية، وغير ذلك.

ولأنهم أعادوا للقضية الفلسطينية حقيقتها من أنها قضية المسلمين أجمعين، وقضية إسلامية، ليست قضية قومية، ولا وطنية، وأن الصراع بيننا وبينهم صراع عقدي ديني، صراع بين المسلمين واليهود، بين المسلمين والكفار.

وشكرا لمجلس الأمن:

لأنه لم يوقف العدوان، ووقف بجوار دولة اليهود؛ حتى يعلم المسلمون جميعا أنه مجلس أمن إسرائيل الأمريكي، وأن قضاياهم لا تـُحل هناك، وإنما تحل بأيديهم هم.

ويوم أن اتخذ قرارا فلصالح اليهود لما رآهم لم يحققوا مكاسبهم ولم يقضوا على المقاومة، بل أذاقتهم المقاومة من بأس المسلمين.

وشكرا لأمريكا وأوروبا:

وقوفهم بجوار اليهود كعادتهم دائما؛ ليظهر للجهال ولبعض هذه الأمة معنى قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)(المائدة:51)، وقوله -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(البقرة:12).

وشكرا لحزب الله الشيعي اللبناني:

الذي لم يطلق رصاصة واحدة نصرة لإخوانه، ولم يفعل شيئا لهم إلى الآن، بل لقد خطب زعيمهم في أول أيام العدوان، وكأنه سينطلق ليحرر الأقصى ويعيد للأمة مجدها، لقد ناشد المصريين ليخرجوا لفتح معبر رفح بالقوة, وأنت على الحدود مع اليهود فماذا فعلت؟ وأنت تملك السلاح والقرار فماذا فعلت؟

ويوم أطلقت الصواريخ من جنوب لبنان سارع لينفي صلته بذلك! -حتى ما سكت- وليعلن أنه ملتزم بأمن اليهود وحراسة حدودهم؛ ليظهر للمسلمين جميعا أن الشيعة لا يمكن أن يكونوا مع الأمة وقضاياها، وأنهم يتاجرون بقضية فلسطين، ماذا فعلت إيران الشيعية التي تملك السلاح والعتاد والقرار؟

إن الشيعة على الدوام سهم في ظهر الأمة، يوالون اليهود والنصارى، ويقتلون المسلمين، واقرأوا التاريخ!!

وجزى الله خيرا المجاهدين الصابرين المرابطين في غزة:

لأنهم أثبتوا أن أمتي لا تموت ولن تموت، وأن سلاح الإيمان أقوى من الطائرات والدبابات والقنابل، وأثبتوا أن أمريكا وإسرائيل وكل دول الكفر أضعف بكثير مما يظن الجبناء والعملاء، وأنهم وحش من ورق، ومارد من كرتون، لا يقف أبدا أمام إيمان المسلمين واعتصامهم بالله، وأنهم جبناء (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(الحشر:14).

فيا ليت العمي يبصرون، والصم يسمعون!! ويا ليت هذه المنح التي جاءت مع المحن تستثمر من قبل العلماء والدعاة!!

وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وآله وصحبه وسلم.