الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 01 مايو 2022 - 30 رمضان 1443هـ

نعمة العيد

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأيام العيدين تتجلَّى فيها عظمةُ الإسلام في أبهى صورها وأجمل حُللها؛ إذ يظهر فيها ما عليه أهل الإسلام مِن الوَحْدة والقوة، والاجتماع في صعيدٍ واحدٍ لتكبير الله وتعظيمه، والصلاة والعبادة له، ويظهر فيها التآلف والتراحم، ومظاهر الأخوة الإيمانية بينهم.

وكيف أن الله تعالى قد جَمَعَ قلوبَ الأعداد الهائلة مِن المسلمين على الإسلام والتوحيد والقرآن، واتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم، وألَّف بين تلك القلوب حتى صار أصحابها كالجسد الواحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى"، وهذا لا يقدر عليه إلا الله، قال الله عز وجل: "لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ".

ولا شك أن هذا يُوجِب الشكرَ لله تبارك وتعالى على نِعَمِه العظيمة والجليلة، والتي مِن أجَلِّها: نعمة الإسلام والإيمان، والتوفيق إلى طاعته سبحانه وتعالى؛ فإن هذا يتبعه مزيد الخير والفضل مِن الله، قال عز وجل: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ".

وهذا الشكر مِن مقاصد العيد: قال الله عز وجل: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".

فيشكر المسلمون ربهم عز وجل أن مكَّنهم بفضله ومنَّتِه مِن صيام رمضان وقيامه، ويفرحون بعيد الفطر، ويشكرون ربهم أن أعانهم على طاعته فيه، ويسرها لهم، وكلما أحدثوا شكرًا على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى، فيحتاج إلى ‌شكر آخر، ولا ينتهي الشكر أبدًا.

قال الشاعر:

إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللهِ نِعْمَةً                        عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ

فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ                         وَإِنْ طَالَتِ الأَيَّامُ وَاتَّصَلَ العُمْرُ

وهذا الشكر ليس مجرد حركة اللسان بالثناء على الله تعالى، وقول: "نشكر الله على كذا وكذا من نعمه"؛ وإنما باعتراف القلب بأن النعم كلها من الله، وإقرار اللسان بذلك، وعمل الجوارح باستعمال نعمه سبحانه فيما يرضيه، واجتناب استعمالها فيما يغضبه جلَّ وعلا، كما قال تعالى: "اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ‌وَقَلِيلٌ ‌مِنْ ‌عِبَادِيَ ‌الشَّكُورُ".

فالعيد يوم فرح وسرور، لكن ليس بمعصية الله والخروج عن شرعه؛ فلا يجوز أن يكون فيه تهاون بحقوق الله تبارك وتعالى، وخروج عن شرعه، فيكون يوم معصية واجتراءٍ على المحرمات؛ بالابتداع في الدِّين، وفعل ما لم يأذن به الله، فيحل الإنسان بنفسه عذاب الله، ويستجلب سخطه عز وجل عليه في يوم العيد! فإن المعاصي والمخالفات مِن أسباب الشقاء والعقوبات.

خَرَجَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ رحمه الله يَوْمَ العِيدِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: "كَمْ مِنَ امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ قَدْ نَظَرْتَ الْيَوْمَ؟ فَلَمَّا أَكْثَرَتْ قَالَ: وَيْحَكِ! مَا نَظَرْتُ إِلا فِي إِبْهَامِي مُنْذُ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكِ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْكِ! (حلية الأولياء).

وقال بعض أصحاب سفيان الثوري: "خَرَجْتُ مَعَهُ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا غَضُّ الْبَصَرِ" (التبصرة لابن الجوزي).

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده؛ فهو مِن فعل مَن بَدَّل نعمة الله كفرًا؛ فإن كان قد عَزَم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام؛ فصيامه ‌عليه ‌مردود، وباب الرحمة في وجهه ‌مسدود" (لطائف المعارف).

ومِن هذه المخالفات التي ينبغي أن تُحذَر في كلِّ وقتٍ "وخصوصًا في يوم العيد":

- السهر ليلة العيد؛ مما قد يؤدي إلى تضييع صلاة الفجر والعيد معًا، أو أكثر مِن ذلك مِن الصلوات نهارًا.

- اختلاط الرجال بالنساء في مصلى العيد وغيره، وخروج بعض النساء متعطرات متجملات سافرات.

- استقبال العيد بالغناء والرقص والمنكرات؛ بدعوى إظهار الفرح والسرور.

- تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر، وهذا مع مناقضته لمقصود العيد وشعاره من البِشْر والفرح والسرور، ومخالفته هديه صلى الله عليه وسلم وفعل السَّلَف الصالح -رضوان الله عليهم-؛ فإنه يدخل في عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور عيدًا؛ إذ إن قصد القبور في أوقاتٍ معينةٍ، ومواسم معروفة وتخصيصها بذلك، مِن معاني اتخاذها عيدًا.

- مشاهدة المحرمات، واستماع المعازف والغناء، والاختلاط المحرم بين الأُسَر والعائلات.

- الإسراف والتبذير ولو كان في أمور مباحة.

نسأل الله أن يتقبلنا في الصالحين، وأن يجعلنا من أهل طاعته ومرضاته في كلِّ وقتٍ وحينٍ.

تقبل الله منا ومنكم.