الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 04 أبريل 2022 - 3 رمضان 1443هـ

تنبيهات رمضانية (1) (تهيئة المساجد لاستقبال شهر رمضان المبارك وجموع المصلين)

كتبه/ محمد إسماعيل المقدم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبين يديك -أخي المسلم- تنبيهات وفوائد تمس الحاجة إلى بيانها، تتعلق بمخالفاتٍ للسُّنة تتكرر في شهر رمضان المعظَّم بصورة موسمية، والمؤلم في هذا الأمر أنها تعدت العوام، وتسربت إلى بعض طلبة العلم من أهل السنة، مع أنهم الذين تنعقد عليهم الآمال أن يحرسوا السنة، ويحملوها إلى الأمة نقية خالية مِن أي شائبة. 

ومِن تلك التنبيهات ما هو متعلق بالمساجد التي يتوافد عليها المصلون في شهر رمضان مبارك، وهي جديرة بأن تعد وتهيأ لاستقبال شهر رمضان بما يتناسب مع حال المصلين دون إضرار أو تنفير لأحدٍ منهم.

البخور في المسجد:

يضع بعض الناس المجامر أو عيدان البخور لتطييب المسجد، وإنما تُطيَّب المساجد بالخلَوق، والطِّيب الذي يستحسنه أغلب الناس، أما البخور فيُخشَى منه التشبه بعبدة النار، وأصحاب الكنائس، فضلًا عن وقوع المجامر على أسطح خشبية أو أرضية قابلة للاشتعال.

وقد يستعمل بعضهم عيدان بَخور خانقة رديئة الرائحة، ثم تأت المراوح فتنشرها في المسجد، ويسعل الناس، ويتضرر بعض مَن يعانون حساسية الصدر، وربما أثَّر ذلك على خشوع الناس في الصلاة، وتعجَّل خروجهم من المسجد فرارًا من هذه الرائحة واتقاءً لهذا الأذى.

مكبرات الصوت نعمة وليست نقمة: 

إن توفر مكبرات الصوت في المساجد نعمة من الله، تعين الناس على طاعة الله تعالى، حتى قال العلَّامة عبد الله بن حميد رحمه الله في شأن مكبرات الصوت: "لو قيل بوجوب اتخاذها في هذا الزمان؛ لكان له وجه"، لكننا نرى في زماننا أناسًا حوَّلوها إلى نقمةٍ يشوشون بها على الناس عبادتهم، فتنسف خشوعهم نسفًا، وتُبطل مقصود الصلاة وقراءة القرآن.

- ترى المسجد الواسع الفسيح وقد تكاثرت في أرجائه السماعات المكبرة المضخِّمة للصوت، وإذا بأرجاء المسجد تتزلزل بصدى الصوت، بل قلوب الحاضرين تضطرب داخل أقفاصهم الصدرية من شدة الضوضاء، وتَسْتَكُّ آذانهم بالصوت الصاخب المرتفع، وقد لا تسمع ولا تفهم كلمة واحدة من كلام الخطيب أو القارئ من شدة الضوضاء، وتداخل أصداء الصوت! حتى أعرف مَن يظل يتنقل في المسجد من موضع إلى آخر حتى يحمي أذنيه من هذا الصخب، وأعرف مَن يذهب للصلاة وقد وضع في أذنه "السدادة" من الشمع أو مما يستعمله السباحون ليخفف وطأة الصوت المروِّع! وبعضهم يسد أذنيه بأنامله ليحميهما من الضوضاء.

تأتي الناس إلى المسجد لتتنعم بالقرآن الكريم والذِّكْر؛ لا لتتعذب بهذه الضوضاء التي تكاد تثقب طبلة الأذن، وتقتل أطراف العصب السمعي، حتى لقد صَرَخ فيهم يومًا شيخ طاعن في السن: "لقد أتيت إلى المسجد لأصلي، لا لأصُابَ بالصمم!".

وترى المسجد الضيِّق المحدود المساحة، وقد بُثَّت فيه السماعات المضخِّمة، فيتضاعف ألم المصلين المساكين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر، ولا ضِرار".

فينبغي أن تُضبط آلاتُ الصوت على أدنى حجم الصوت الذي يحقق الفائدة المرجوة دون إزعاج للمصلين، وأن يُسندَ هذا الأمر إلى مخُتصٍّ في هذه الأجهزة يضبط صوتها، واتجاهها؛ حتى لا تتداخل الموجات الصوتية، وتشوش على الناس عبادتهم.

إن شيوع هذه المظاهر السلبية في بيوت الله مع ما حثت عليه الشريعة من آداب كاملة، وأخلاق عالية، وأذواق راقية يدل على أننا معشر المسلمين متخلفون عن الإسلام، لا عن أمم الغرب أو الشرق.

وعلاج هذا التخلف لا يحتاج إلى تقنية متطورة أو مُكلِّفة، ولكن يحتاج فقط إلى فهم وبصيرة، (وذوق) ورغبة في الإصلاح والتعديل، وعزيمة على الرقي الإسلامي الذي يمحو التخلف الذوقي والجمالي والحضاري.

إن قراءة القرآن الكريم في المسجد مِن أشرف الوظائف التي تؤدَّى فيه، ومع ذلك فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستعمل قراءة القرآن الكريم في التشويش على مَن هُمْ حول القارئ، "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه".

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يُصَان المسجد عما يؤذيه، ويؤذي المصلين فيه، حتى رفع الصبيان أصواتهم فيه، وكذلك توسيخهم لحصره، ونحو ذلك؛ لا سيما إن كان وقت الصلاة، فإن ذلك من عظيم المنكرات".

ولجيران المسجد حرمة وحق أيضًا:

إن تشغيل مكبرات الصوت الخارجية المثبَّتة على حافَّات المساجد والمنارة أثناء صلاة التراويح قد يشوِّش على المساجد القريبة، وعلى جيران المسجد الذين يصلون النافلة وحدهم في بيوتهم، والمرضى المحتاجين للنوم، والطلاب الذين يحتاجون الهدوء لمذاكرتهم، وهذا كله يؤذي جيران المسجد، وليس فيه فائدة للمصلين داخل المسجد الذين يستغنون عن ذلك بالسماعات الداخلية!

- ومما يؤذي جيران المسجد: تجمُّع بعض الشباب أمام أبواب بيوتهم بعد الصلاة بصورةٍ تضيِّق عليهم طريق الدخول والخروج إلى بيوتهم، وتسبب لهم ولنسائهم الحرج والعَنتَ.

أجهزة التبريد والتدفئة:

ومِن نعم الله سبحانه علينا توفُّر أجهزة التبريد في الحرِّ، والتدفئة في البرد، لكن بعض القائمين عليها لا يراعون القواعد الصحية للاستخدام الأمثل لها، فيبالغون في ضبط حرارتها، ومضاعفة تبريدها، ثم تسليطها مع المراوح إلى أجساد مَن يتضرر منها مِن المرضى وكبار السن، والقاعدة: أن دفعَ المضار مُقدم على جلب المنافع، والحل هو التوسط الذي يؤدي الغرض بدون أذى، فتوضع في مكانٍ مناسبٍ، وليس في القبلة باتجاه المصلين مباشرة، ولا يتمكَّن مِن تشغيلها سوى القائمين عليها؛ كي لا يعبث بها العابثون.

مأساة صحية خطيرة:

يحدث أن تكتظ بعض المساجد بالمصلين، وهي مساجد يحُكم إغلاق نوافذها الزجاجية حتى لا يتسرب الحر إليها، ثم تشغل مكيفات التبريد، فيصبح الجو باردًا يفرح الناس به، ويستروحون له، لكنَّ هواءه فاسد يكاد يخلو من الأكسجين بسبب إهمال التهوية، ولا ينتبه القائمون على المسجد للخطورة الصحية لهذا الوضع، وبخاصة إذا انضم إليه سعال المرضى، فالواجب تجديد الهواء بصفةٍ دائمةٍ؛ دفعًا للضرر الصحي.