الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 22 فبراير 2022 - 21 رجب 1443هـ

تونس ... إلى أين (9) محاولة الإطاحة بحركة النهضة

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد شهدت فترة رئاسة قيس سعيد الحالية لتونس صراعًا بينه وبين رئيس الحكومة المشيشي في ظلِّ ما قرره دستور ما بعد الثورة في تونس في نظامه السياسي المختلط -الذي يجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني- من اقتسام السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

وكان قيس سعيد، وهو أستاذ قانون دستوري مستقل، قد فاز بأغلبية كبيرة في انتخابات الرئاسة التي جَرَت في خريف 2019 متغلبًا على منافسه رجل الأعمال نبيل القروي مؤسس حزب قلب تونس، ليدخل قصر قرطاج (قصر الحكم) في 23 أكتوبر 2019، بينما أصبح الغنوشي رئيسًا للبرلمان التونسي في 13 نوفمبر 2019، وكان الرئيس قيس سعيد قد اختار (هشام المشيشي) مرشحًا لرئاسة الحكومة الذي حصل على ثقة البرلمان في 2 سبتمبر 2020.

ونظرًا لسيطرة ائتلاف قلب تونس وحركة النهضة على البرلمان؛ فقد كانت الكثير من قرارات رئيس الحكومة لكسب ثقة التحالف داخل البرلمان، وهو ما لم ينل رضا قيس سعيد، الذي شعر بقلة مكانته برغم وفرة ما حصل عليه من أصوات.

وبلغ الصراع ذروته برفض رئيس الجمهورية -قيس سعيد- تنظيم حفل أداء اليمين للوزراء الجدد الذين اختارهم رئيس الحكومة (المشيشي) بعد التعديل الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة في 16 يناير 2021، بإملاء تحالف النهضة وقلب تونس، وتضمن التعديل الوزاري عزل وزير الصحة (فوزي المهدي) المحسوب على الرئيس قيس سعيد، وفي ظل فشل الحكومة في إدارة أزمة كورونا، ومع تصاعد الأزمة حاولت أحزاب ومؤسسات القيام بوساطة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وشهدت البلاد تظاهر أنصار حركة النهضة ضد رئيس الجمهورية دفاعًا عن الشرعية ومؤسساتها؛ هذا في الوقت الذي كان مجلس النواب قد شهد قبل ذلك أزمة متصاعدة في نوفمبر 2020 انتهت بفشل حزب الدستور الحر برئاسة عبير موسى في الحصول على عدد الأصوات اللازم لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

ومع حالة الاحتقان المتصاعدة عقد رئيس الجمهورية في يوليو 2021 اجتماعًا طارئًا مع جنرالات القوات المسلحة والقيادات الأمنية، وأبلغهم بقراره بالتدخل المباشر بدعوى تفعيل الفصل 80 من الدستور الذي يعطيه صلاحية اتخاذ إجراءات استثنائية حال الخطر الداهم الذي يهدد كيان الدولة.

وعليه ألقى رئيس الجمهورية خطابًا تضمن إجراءاته التي اتخذها، وتضمنت تجميد مجلس النواب لمدة شهر ورفع الحصانة عن أعضائه، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، وترشيح حكومة جديدة، وهي الإجراءات التي أثارت جدلًا كبيرًا، وتظاهرات متبادلة.

وفي ظل قرارات التجميد انفرد الرئيس بالصلاحيات التنفيذية والتشريعية، فقام بتعيين (نجلاء بودن) -وهي أستاذة جامعية- لرئاسة الحكومة، فشكلت (حكومة تكنوقراط) غالبية وزرائها من مستقلين متخصصين بعيدًا عن الأحزاب السياسية، منهم نسبة كبيرة من النساء، وقد أدَّت الحكومة اليمين الدستورية في 11 أكتوبر 2021 بعيدًا عن ثقة البرلمان.

وبعد مناقشات اجتماع (الدورة 52) لمجلس شورى حركة النهضة في 5 أغسطس 2021 أصدرت حركة النهضة بيانًا أكَّدت فيه أنها تتفهم حالة الغضب الشعبي من الإخفاق السياسي والاقتصادي؛ خاصة بين الشباب بعد مرور عشر سنوات من انطلاقة الثورة في تونس، وأنها تحمِّل الطبقة السياسية برمتها كل بحسب موقعه وحجم مشاركته في المشهد السياسي مسئولية ما آلت إليه الأوضاع، وتدعو الجميع إلى الاعتراف بما وقع من أخطاء والعمل على تصحيح الأداء.

وقد أكَّد بيان الحركة: أن الحركة تفتح الباب أمام تغيير سياساتها خلال المرحلة المقبلة، وإن أبقت على توصيف ما حدث في 25 يوليو 2021 بكونه انقلابًا على الدستور، وقد أكَّد المستشار السياسي لحركة النهضة لـ(عرب بوست) في حديثه حول مواقف الحزب من قرارات الرئيس التونسي (أن حركة النهضة اختارت منذ انفجار الأزمة الدفاع عن الدستور التونسي، وعن الديمقراطية بالوسائل السلمية والقانونية؛ لذلك دعت أنصارها للعودة إلى منازلهم بعد تظاهرات اليوم الأول أمام البرلمان، ونبَّهت إلى عدم الزج بالشعب التونسي وبمؤسسات الدولة وأجهزتها في هذا الصراع المميت).

و(بنت خطتها السياسية باعتماد الحوار والمفاوضات والتنسيق السياسي والضغط لدفع الرئيس للتراجع عن خطواته الانقلابية، وقد نجحت إلى الآن في الحد من جموحه للتسلط، وعبَّأت ضغطًا دوليًّا غير مسبوق من أجل دفعه لتسريع المسار الديمقراطي).

وذكر: (أن مشاركة حركة النهضة في الحكم على امتداد السنوات العشر الأخيرة اتخذت 3 أشكال: ترأست حكومتين لمدة سنة ونصف السنة - شاركت بممثلين في 3 حكومات لمدة خمس سنوات ونصف السنة - دعمت من الخارج -أي: من خارج الحكومة- حكومتين طوال سنتين؛ ولذلك فإن الحديث عن مسئولياتها يجب أن توضع في إطار هذه المستويات المختلفة من المشاركة) (راجع في ذلك (إخوان تونس: رحلة الصعود والسقوط) المقالة السادسة بعنوان: (قرارات 25 يوليو وأسبابها الحقيقية) مصطفى بكري - جريدة الأسبوع - عدد 20 سبتمبر 2021 :3).