الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 13 فبراير 2022 - 12 رجب 1443هـ

دور الحركات النسوية في محاربة المرأة وهدم المجتمعات (1)

كتبه/ شحاتة صقر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لقد بوَّأ الإسلامُ المرأةَ مكانةً سامقةً، وأنزلها منزلةً عاليةً، ومع ذلك لم تسلم تشريعات الإسلام الخاصة بالمرأة من طعن الشانئين فيها؛ لا لأنها تستحق الطعن والعياذ بالله؛ فهي تنزيل رب العالمين العزيز الحكيم، "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"، ولكن يطعنون فيها لمجرد أنها من الإسلام، ومثل هذا الطعن والغمز واللمز بتشريعات الإسلام ليس وليد اليوم، ولكنه وُلِدَ مع ميلاد الإسلام نفسه، ولعل هذا يلفت أنظارنا إلى قوة البناء الإسلامي، وأنَّه إن لم يَنَلْ منه أعداؤه وهو لا زال وليدًا معه فئة قليلة من الرجال، فلن ينالوا منه بعد أن انتشر في ربوع الأرض مشرقًا ومغربًا، شمالًا وجنوبًا.

لقد هوجم موقف الإسلام من المرأة حتى صار عند الكثيرين متهمًا يحتاج إلى مَن يدافع عنه، مع أن إكرام الإسلام لها، مما لا مثيل له على الإطلاق في أي شريعة أو مجتمع، فالمرأة في الإسلام هي شقيقة الرجل التي أكرمها الله بهذا الدِّين، إنها في أعلى مقامات التكريم أُمًّا كانتْ أو بنْتًا أو زوجةً، أو امرأةً من سائر أفراد المجتمع.

فالمرأة إن كانت أمًّا فقد قرنَ اللهُ حقَّها بحقّه، وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم أحقَّ الناس بحسن الصحبة وإسداء المعروف، وهي إن كانت بنتًا فحقها كحق أخيها في المعاملة الرحيمة، والعطف الأبويِّ، وهي إن كانت زوجةً فهي نعمة من نعم الله تعالى، وللزوجة على زوجها حقوقٌ يحميها الشرع، وينفذها القضاء عند الاختلاف، فتلك الحقوق ليست موكولة إلى ضمير الزوج فحسب.

فمن حقوقها عليه: المهر والنفقة عليها بالمعروف، والمسكن والملبس، وبجانب هذه الحقوق المادية، لها حقوقٌ معنويةٌ أخرى: فهي حرة في اختيار الزوج، ليس لأبيها أن يُكْرهَهَا على ما لا تريد، ويجب على زوجها أن يُعَلِّمها أصول دينها، وأن يغار عليها ويصونها، وعليه أن يعاشرها بالمعروف والإحسان.

وهي إن لم تكن أُمًّا ولا بنتًا ولا زوجة، فهي من عموم المسلمين، يُبْذَل لها من المعروف والإحسان ما يُبذل لكل مؤمن، ولها على المسلمين من الحقوق ما يجب للرجال، فالمرأة في الإسلام عمادُ المجتمع، وأساسُه المتينُ، هي أم النشء، وراعيتهم ومربيتهم. 

وقد علم أعداء الإسلام أن المرأة المسلمة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي، فانطلقوا يخططون لها في الليل والنهار؛ لشَلِّ حركتها، والزَّجِّ بها في مواقع الفتن ومستنقع الرذائل لإفسادها وإخراجها من دينها وإبعادها عن أخلاق الإسلام بكل سبيل.

وكان من ضمن أساليبهم: تقديم المرأة الغربية في وسائل الإعلام على أنها النموذج الذي يجب أن يُحتَذى ويُقتَدى به في الوصول إلى قمة السعادة وللحصول على كافة الحقوق الإنسانية، مع أن الواقع خلافُ ذلك؛ فقد وصلوا إلى هوَّة سحيقة من الانحطاط والانهيار، كما تحكيه الإحصائيات والأرقام الصادرة عن مؤسساتهم الرسمية.

وقد انخدعت بعض المُسْلِمات بتلك الشعارات وبتلك النماذج الشوهاء، فأصبحن يروِّجن لنموذج المرأة الغربية الذي هو ترويجٌ للمأساة التي تعاني منها المرأة الغربية، تصاحبه جرأة مِن قِبَلِ الأقلام المأجورة على تعاليم الإسلام وأخلاقه، يساندهم في ذلك الضغط الدولي على الحكومات العربية والإسلامية بفرض ما يريدونه عبر المؤسسات الرسمية؛ إنها عمليةُ قلْبٍ للموازين وتغيير لمظاهر الحياة الإسلامية في مجتمعاتنا.

إن لهذه المؤامرة وهذه الموجة العارمة دُعاتَها ومُرَوِّجيها؛ إما عن جهل وغفلة كما تفعل الببغاوات، وإما عن خُبْثِ نيَّة وسوء طويَّة كما تفعل الثعالب والذئاب، متسترين بالشعارات العريضة الخادعة، وبالهتافات الصاخبة الكاذبة، ينادون بتحرير المرأة، لكن تحريرها من الفضيلة والشرف والحياء، لقد هتفوا بالعطف عليها، لكنهم قسوا عليها أشد من قسوة وائدي البنات في الجاهلية الأولى.

أعلنوا مساواتها المطلقة بالرجل فكلفوها ما لا تطيق وحادُوا بمؤهلاتها الفطرية وكفاءاتها الجِبِلِّية عن جادة الطريق؛ ادعوا كرامة المرأة، فأوْرَدوها مناهلَ الذُلِّ والحقارة وجرعوها كأس الهوان، ادَّعوا تحريرها فاستعبدوها، يريدون منها الانسلاخ من جميع الضوابط والحدود، والآداب والأخلاق، محاولين قلْبَ مجتمعاتنا إلى ما يناسب تفكيرهم الأعوج ونفوسهم الخبيثة.

فأعداؤنا يريدون من بنت الإسلام أن تكون كنساء الغرب:

البائسات المائسات كآلة من غير رُوحْ       

الناشراتُ شذًى وفي أعماقِهن أذًى يفوحْ

الضاحكاتُ وقد طَوَيْنَ قلوبهن على جروحْ

وسلوا الشقاء وإنه بئس المصيرُ فقد يبوحْ

فعلى المرأة المسلمة العفيفة الطاهرة أن تنتبه جيدًا لما يدبره لها أعداؤها وأعداء دينها، وألا تكون عونًا للأعداء على أمتها، وأن لا تستجيب لدعواتهم، وإلا فإنها ستكون أول الضحايا على مذابح جنود إبليس الذين يزينون حياة التمرد على الأسرة ويجترئون على تعاليم الإسلام.

قال الشاعر:

يَا   دُرَّةً   حُفِظَتْ    بالأَمْسِ    غَالِيَةً        وَالْيَوْمَ     يَبْغُونَهَا     لِلَّهْوِ     وَاللَّعِبِ
يَا   حُرَّةً   قَدْ   أَرَادُوا   جَعْلَهَا    أَمَةً        غَرْبِيَّةَ   الْعَقْلِ   لَكِنَّ   اسْمَهَا   عَرَبِي
عَهْدُ السُّجُودِ لِفِكْرِ الْغَرْبِ قَدْ ذَهَبَتْ            أَيَّامُهُ     فَاسْجُدِي     لِلَّهِ     وَاقْتَرِبِي
فَلْتَحْذَرِي  مِنْ  دُعَاةِ  لاَ  ضَمِيرَ   لَهُمْ        مِنْ كُلِّ  مُسْتَغْرِبٍ  فِي  فِكْرِهِ  خَرِبِ
وَلاَ   تُبَالِي   بِمَا   يُلْقُونَ   مِنْ    شُبَهٍ        وَعِنْدَكِ  الْعَقْلُ  إِنْ   تَدْعِيهِ   يَسْتَجِبِ
صُونِي جَمَالَكِ صُونِي الْعِرْضَ لاَ تَهِنِي        وَصَابِرِي   وَاصْبِرِي   لِلَّهِ    وَاحْتَسِبِي
إِنَّ   الْحَيَاءَ   مِنَ   الْإِيمَانِ    فَاتَّخِذِي        مِنْهُ   حُلِيَّكِ   يَا    أُخْتَاهُ    وَاحْتَجِبِي
تَذَكَّرِي    الْوَرْدَةَ     الْبَيْضَاءَ     يَانِعَةً        يَفُوحُ  مِنْهَا  الشَّذَا  يُشْتَمُّ  عَنْ   كَثَبِ
حَتَّى  إِذَا   ابْتُذِلَتْ   مَاتَتْ   نَضَارَتُهَا        وَأُلْقِيَتْ  كَالْقَذَى  مَا  فِيهِ  مِنْ  رَغَبِ

"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ"، "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ".

يتبع إن شاء الله.