الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 01 فبراير 2022 - 29 جمادى الثانية 1443هـ

تونس ... إلى أين؟ (6) حزب النهضة يشارك في الحكم

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

بدأت أحداث الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010 في منطقة محددة هي (سيدي أبو زيد)، ثم تطورت إلى ثورة شعبية شملت تونس كلها، وقد بدأت بمجموعات من الشباب العاطل ثم امتدت إلى الطبقة الوسطى ثم شملت جميع شرائح المجتمع.

ولم يبدأ الإسلاميون في الظهور في هذه الثورة إلا بعد هروب الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد في 14 يناير 2011، وتولي محمد الغنوشي حكومة انتقالية بعد سقوط النظام.

وبعد انتصار الثورة وفي 30 يناير 2011، عاد الدكتور راشد الغنوشي من منفاه بالخارج إلى تونس بعد غياب قرابة 22 عامًا (عقب نتائج الانتخابات التشريعية عام 1989)، وفي الأول من فبراير 2011 تقدمت حركة النهضة بطلب رسمي للترخيص لإنشاء حزب سياسي، وتم انتخاب الهيئة السياسية للحزب في 6 فبراير 2011.

اتفقت القوى السياسية والحزبية في تونس -ومن بينها حركة النهضة- على تشكيل الهيئة العليا للإصلاح؛ لتحقيق أهداف الثورة، والإصلاح السياسي، والانتقال الديمقراطي.

وكانت من مهامها: صياغة قانون الانتخابات، وتشكيل هيئة تتولى تنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وقد صرَّح الغنوشي في أغسطس 2011 أن الحركة وهي تهيئ نفسها للمشاركة في الحكم ترى أن تونس تحتاج في السنوات الخمس المقبلة بعد الثورة إلى حكومة ائتلاف وطني، وأن أوضاع البلاد لا يقدر على تحملها حزب واحد، وأن الحركة ستسعى لتشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات حتى وإن حصلت على أغلبية الأصوات) (انظر: "إخوان تونس: رحلة الصعود والسقوط" المقالة الثانية (من المعارضة إلى الحكم) مصطفى بكري - جريدة الأسبوع - عدد 23 أغسطس 2021، 3).

استطاع حزب حركة النهضة احتلال المركز الأول من بين الأحزاب المتنافسة في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 -أول انتخابات برلمانية تجري في أعقاب الثورة التونسية- بالحصول على 89 مقعدًا.

وقد تمكَّنت الحركة بمقتضى ذلك من تشكيل حكومة (الترويكا) التي كانت بمثابة حكومة وفاق وطني انتقالية لمدة عام -تبدأ من 22 نوفمبر 2012- لوضع مسودة الدستور، وتكونت من تحالف ثلاثة أحزاب لها الأغلبية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وهي: حزب حركة النهضة، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.

وقد اتفقت القوى المشاركة في التحالف على تولي حمادي الجبالي أمين حركة النهضة رئاسة الحكومة، واختيار المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر رئيسًا للجمهورية، واختيار مصطفى بن جعفر رئيس التكتل الديمقراطي رئيسًا للمجلس التأسيسي.

عانت حكومة الترويكا من مشكلات عديدة عاقت مهمة صياغة الدستور، فطالت المدة الانتقالية للحكومة عن العام المتفق عليه؛ لذا عارضت أحزاب المعارضة استمرار الحكومة داعية إلى تشكيل حكومة توافقية بعد انتهاء المدة الشرعية للحكومة، وقد شهدت البلاد تجاذبات سياسية، وتظاهرات، واضطرابات، وأعمال عنف.

وفي 6 فبراير 2013 شهدت تونس أزمة سياسية حادة عقب اغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنية الديمقراطية الموحد؛ أدَّت إلى استقالة حكومة حمادي الجبالي، وجاءت حكومة (على العريض) -وهو رئيس مجلس شورى حركة النهضة-، وهي حكومة محسوبة على حركة النهضة أيضًا، ولكنها لم تستطع تجاوز الأزمة ومعالجة الأوضاع، وشهدت البلاد في أغسطس 2013 اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب التيار الشعبي؛ مما زاد الموقف تعقيدًا.

ومن خلال مبادرة قدَّمتها قوى المجتمع المدني للحوار الوطني تبلور الحوار في 5 أكتوبر 2013 إلى خارطة طريق اتفقت عليها جميع الأطراف السياسة بما فيها حركة النهضة تقوم على استقالة حكومة الترويكا، وإقامة حكومة انتقالية مستقلة، والعمل على صياغة الدستور خلال مدة أقصاها أربعة أسابيع، وإصدار القانون الانتخابي واختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وقد قبلت حركة النهضة كل هذه الأمور من باب تغليب التوافقية على الشرعية الانتخابية، وبالفعل تنازلت الحركة عن الحكومة الائتلافية، وتم في 14 ديسمبر اختيار مهدي جمعة رئيسًا لحكومة مستقلة شكلت من التكنوقراط.

وقد استطاعت قوى المعارضة وأبرزها: حزب (نداء تونس) برئاسة باجي قايد السبسي من استغلال الأوضاع وحشد الجماهير ضد حركة النهضة؛ بدعوى أنها تهدد مكتسبات الحداثة في تونس، كما تعرضت الحركة لهجمات إعلامية ممنهجة لإقناع قطاعات كبيرة من التونسيين بعدم قدرة الحركة على إدارة الملفات الساخنة من جهة، والتخوف من تمكن الحركة من الهيمنة الكاملة على مؤسسات الدولة؛ لذا حصل حزب نداء تونس -وهو تحالف مؤقت يضم مكونات غير متجانسة أيديولوجيًّا- في تصدر الانتخابات التشريعية في أكتوبر عام 2014 على 86 مقعدًا مقابل حصول حركة النهضة على 69 مقعد، لكن تحالف نداء تونس سرعان ما شهد انشقاقًا من 22 نائبًا من نوابه في بداية عام 2016؛ مما أعاد حركة النهضة إلى تصدر الكتلة البرلمانية من جديد.

وفي 14 يوليو 2014 عقد حزب حركة النهضة مؤتمره التاسع بشكل علني لأول مرة، وكان المؤتمر الأول للحركة قد عقد عام 1972. وقد شدد زعيم الحركة راشد الغنوشي في هذا المؤتمر التاسع على أهمية الوفاق في إنجاح التجربة التونسية، ووجَّه رسائل متعددة لطمأنة الأطراف: الداخلية والخارجية، وأكَّد على تمسك الحركة بالمرجعية الإسلامية، وتمسكها بالنظام الديمقراطي

ومن خلال أحداث المؤتمر يمكن القول بأن هناك تيارين متنازعين داخل الحركة: أحدهما: يسعى إلى بناء دولة إسلامية بالمفهوم التقليدي، وآخر يسعى إلى المواءمة بين الإسلام والعلمانية (انظر: "إخوان تونس: رحلة الصعود والسقوط" المقالة الثالثة (لماذا فشلت حكومة الترويكا؟) مصطفى بكري -جريدة الأسبوع- عدد 30 أغسطس 2021، ص 3 بتصرفٍ).

قال الكاتب مصطفى بكري في نهاية مقاله الأول: "(بدايات التأسيس) جريدة الأسبوع عدد 16 أغسطس: وقد ظل خطاب حركة النهضة خطابًا ملتبسًا؛ لتجاذبه بين مشروعين: مشروع عام تمثله توجهات الحركة الإسلامية، ومشروع سياسي يرتكز على الواقعية السياسية، ويتخذ من الممارسة منهجه ومنطلقاته. وهذه الازدواجية في الخطاب (الأخونة والتونسة)؛ جعلت من الخطاب (التونسي) خطابًا محكومًا بالمصلحة السياسية أولًا، ومن الخطاب الإخواني مصدرًا للشرعية الدينية في زمن الهيمنة السياسية ثانيًا".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.