الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 25 أغسطس 2021 - 17 محرم 1443هـ

إليكِ أيتها الأخت المسلمة

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97).

إن المرأة المسلمة في ديننا لها شأن عظيم، ومكانة رفيعة، وفضل جم، وإن الإسلام قد قدَّم نموذجا فريدًا في حفظ المرأة المسلمة؛ كبيرة وصغيرة، بنتًا وزوجة، وأمًا وجدة، فقال -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة:228).

حفظها الله وهي بنت في بيت والديها، فكان لها حق الرعاية والاهتمام والتربية والنفقة عليها، وكان لها أيضًا حق التدلل والأنس، والإسعاد بها، تشب وتكبر في فضل الله -تعالى- ثم عز والديها، قال -تعالى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) (الطلاق:7).

وعندما تكبر أَمَرَها الإسلام بالحجاب والتستر، والبُعد عن التبرج والسفور، والاختلاط المحرم، وعندما تُطلب للزواج اعتد برأيها، وأعطاها فسحة في الاختيار والقبول والرفض، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا) (رواه مسلم).

وفرض لها صداقًا، ولا يتزوجها رجل إلا بإذن وليها، وأن يُشهد على ذلك شهودًا، وفي زماننا جُعل لها عقد ضمانًا وحفظًا لحقها، وتأمينًا لمعيشتها عزيزة مكرمة.

عن عائِشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: (أيُّما امرأةٍ نَكَحَت بغيرِ إذنِ وَلِيِّها فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ، فإنْ دخَلَ بها فلها المَهرُ بما استحَلَّ مِن فَرجِها، فإن اشتَجَروا فالسُّلطانُ وَليُّ مَن لا وليَّ له) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

ولما صارت زوجة تخرج من سلطان رجل إلى مملكة آخر جعل لها النفقة عليها، وجعلها ملكة تبسط نفوذها على بيتها، فكانت عزيزة غاية العز، يؤتى إليها كل ما تطلبه ويلبي لها كل ما في الإمكان، ويسعى زوجها جاهدًا في إسعادها ويكسوها، ويحوطها بقلبه قبل كنفه، وهو فخور وسعيد؛ لأنها عرضه ويغار عليها، ويكاد يُقتَل ديانة لله، ثم فداء لها لو تعرضت للخطر أو لو أحد كشفها أو أصابها بأذى أو مكروه.

يصول الرجال ويجولون، وهن الراحة والسكن، والمطعم والمشرب، فالزوجة مأوى للزوج ببيتها وقلبها، ورعايتها واهتمامها، بل انظر إلى عظمة هذا الدِّين حتى بعد الطلاق، واستحالة المعيشة بين الزوجين جعل لها حقوقًا، وعليها واجبات في منتهى الرضا والتسليم، والاختيار والتخيير، فمِن آخر وصاياه -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) (رواه البخاري).

ولما صارت أمًّا انضم إلى فريق الحماة والحفاظ لها أبناؤها، قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان:14).

وانظر -مثلًا- لمثال بسيط على سبيل القصر لا الحصر: إذا جاءت لتخرج من بيتها لأي سببٍ مشروعٍ، تسابق إليها الزوج، وإن لم يكن موجودًا فالابن، حتى تصل إلى مَن هو أكبر منها، بل أحيانًا الجد يتولى هذه المهمة.

وانظر وتأمل لترى كذب الأفاكين الذين يدَّعون إن الإسلام هضم حق المرأة، فانظر إلى ذكر الله -تعالى- لسورة كاملة باسمها، وانظر إلى هذه الآية ذات الشأن العظيم، تذكر المرأة ابجوار الرجل عشر مرات في آية واحدة: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب:35).

والإسلام أعطاها حق التملك، والبيع والشراء، والإجارة، وجميع العقود التي لها علاقة بها ووكالة لها، وشرع لها التعليم والتعلم بما لا يتعارض مع دينها، بل جعل العِلْم لها في بعض الأحيان فرض عين، فنحن أحوج إلى طبيبة مسلمة تعالِج المسلمات من باب الاستحباب لا الواجب، والمعلمة لبناتنا، وغير ذلك كثير.

أنت يا أختاه مصونة من الله -تعالى- في إنزال الحق لك، والتشريع والتبيين والتوضيح لمكانتك وحدودك، ثم من نبيه صلى -الله عليه وسلم- وهو يقر ويوضِّح هذا التشريع، ويوصي ويؤكِّد ويفسِّر، وهو يظهر أيضًا حبه لعائشة أمام الكبار والصغار، الرجال والنساء؛ يلاعب عائشة حبًّا لها ولسعادتها، وتعليمًا لأمته، حتى سمح لصاحباتها أن يلعبن معها، ويكرم صويحبات خديجة -رضي الله عنها-، ويربي أولاد أم سلمة، ويكرم قوم جويرية إكرامًا لها، وغير ذلك كثير، والصحابة والتابعون والأئمة المعتبرون صاروا على نهجه وشرعه في معاملتك وحقك، وشرحوا الآيات والأحاديث، وبيَّنوا وسطَّروا الكتب وأصَّلوا الأصول في بيان كل ما له علاقة بك يا أختاه.

يا لعظمة مكانتك وعلو منزلتك!

أختاه ... أنت شرفنا ودرتنا، وأغلى مِن كلِّ غالٍ، وأنفس من كل نفيس.

أختاه ... احمدي الله على نعمه عليك، وأعظم بنعمة الإسلام عليك.

فالمرأة الغربية محال أن تعيش بدون عمل، لا بد أن تنفق على نفسها ولو كانت متزوجة، متعة في أيديهم وبراءة من الإنفاق، والمسؤولية عليها، ثم لما تكبر ويقل سوقها تطرح في ديار المسنين.

فيا الله ... كم أهينت المرأة غير المسلمة!

وكم لعب بها اللاعبون، وعبث بها العابثون ... !

أما أنت أيتها المرأة المسلمة ففي الفؤاد على الهامات والرؤوس.

هل بعد كلِّ هذا التكريم والتشريف، وكل هذا الحفظ والرعاية تريدين أن تكوني سلعة رخيصة سهلة المنال، هينة الوصول بلا مقابل في أيدي الليبراليين والعلمانيين وغيرهم تحت مزاعم الحرية، وخرافات التحرر وخزعبلات الفكر الملوث، وأرباب الخلاعة والمجون؟!

السلع لها سوقها، وأنت لك مهج القلوب في بيوت الأزواج.

أو تكونين في أيديهم في أي وقت، أو أي زمان بلا حقوقٍ ولا واجباتٍ؟!

والدليل: انظري إلى أصحاب هذه الدعوات، هم أفشل الناس في حياتهم، وأتعس الناس في معيشتهم وحياتهم!

إن مكانتك في عيون الرجال وقلوبهم، لا للتسلية والمتعة فحسب كما في ضلالات الشيعة!

 سبحان الله! كلما تبعدين عن تعاليم ديننا تفقدين كثيرًا مِن هيبتك ومكانتك، والله إن القلب ليحترق لما يجد صورة امرأة مسلمة على الإعلانات في الشوارع أو على علب المشروبات والأطعمة، والمنظفات؛ هذا ليس مكانك، ولا قيمتك، ولا طريقك!

جسمك غالٍ، وقلبك أغلى، وكيانك أعظم، ودورك أكبر.

إن مزاعم الحرية التي تُطلق من أبواق أرباب التحضر والتمدن لا يُمنع منها طالما لم تخالف شرعًا، ولم تأتِ عليك بالضرر، ولا السلب والإضرار.

إن التحضر والتمدن لكِ: في إعطائك مكانتك، وإلزام الجميع بحدودك، وحقوقك، وواجباتك التي فرضها لك الإسلام، فما الذي يمنع مِن أن تكوني خبيرة في التكنولوجيا عالمة بها، رفعة لدينك ووطنك، وأهلك وأولادك.

أختاه ... الموضة كلمة مائعة فكل ما يناسبك دينا وعرفا فخذيها واستعمليه وأسعدي نفسك وأسعدي زوجك

بها أو أمام محارمك وأهلك

أختاه ... يبذل الباذلون حشاشة أنفسهم وأموالهم، وعصارة أعمارهم من أجل الارتباط بك والفوز بك، فلا تخدعين بكلمات الحب والغرام المحرم، فمن العز والجاه أن تظلي عزيزة يعرف قدرك مَن يطرق بابك وباب والديك.

واعلمي: أن ما عند الزوج المسلم لزوجته أفضل من ذلك بكثيرٍ.

أختاه ... عيشي واسعدي بحياتك وسط أهلك وزوجك وصاحباتك فيما يرضي ربك -جلَّ وعلا-، وإياكِ وما يغضبه؛ ففيه إهانتك.

أختاه ... أقيمي شرع ربك في بيتك، واعرفي عظمة مسؤولية إخراج الأجيال، فقوام البيوت عليك بعد الله -تعالى-، ونجاحها بين يديك؛ فأنت بفضل الله -تعالى- مصنع الرجال، وإياك أن تُؤتَى الأمة من قِبَلِك.

أختاه ... أنت الحبيبة والصاحبة والجدة للأب والزوج والأحفاد، فكوني على معرفة بقدرك وقيمتك، ولا تتنازلي عنهما أبدًا.

أختاه ... حفظ الإسلام حقك في كلِّ شيء: في السكن والملبس، والتستر، وفي المشية، بل حتى في القول، فكوني أهلًا لهذا الحفظ/ والأحق بهذا الفضل.

أختاه ... أسأل الله أن يحفظك ويسترك، ويرشدك ويهديك، ويبصِّرك، ويشرح صدرك، ويرفع قدرك في الدنيا والآخرة، ويبارك في كلِّ مَن كان وراءك؛ أبًا وزوجًا وأولادًا.

اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.