الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 09 أغسطس 2021 - 1 محرم 1443هـ

الانضباط والجاهزية

كتبه/ سعيد السواح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ما يميز الحياة العسكرية:

1- الجندية.

2- الجدية.

3- الانضباط.

وهذه هي دعائم البناء للشخصية المسلمة، فإن كان الإنسان يعيش في قاعدة عسكرية يزاد على ما سبق: الجاهزية (اليقظة والتأهب) والاستعداد لصد أي هجوم مفاجئ؛ لذا ترى أفراد هذه القاعدة في حالة استعداد قصوى ودائمة، ينتظرون مباغتة العدو في أي لحظة.

وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في حالةٍ مِن اليقظة والتأهب، فالموت يطلبه ويأتيه بغتة، فهو لم يعش في الدنيا تتلاعب به الأيام، بل هو في الدنيا لمهمة يريد أن يخرج منها فائزًا.

صور حية للجاهزية:

1- سحرة فرعون لم يهتزوا ولم يترددوا: فما استغرقوا وقتًا في التفكير، وكأنهم ينتظرون هذه اللحظة، فبمجرد ما هدد فرعون وقال لهم: (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (طه:71)، قابلوا ذلك بمنتهى الاستخفاف والثقة، وقالوا: (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه:72-73)؛ ما خافوا وما رهبوا، وما ارتجفوا، إنهم سيفارقون الدنيا، ولكنهم طلبوا الحياة الباقية الخالدة، طلبوا ما عند ربهم ففازوا.

2- قصة الذبيح: لم يتردد إسماعيل -عليه السلام- ولم يرتجف لما قال له أبوه إبراهيم -عليه السلام-: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102)، فقد تربَّى على الاستجابة الفورية لأوامر ربه دون تفكير أو تردد، فالخير كل الخير فيما قضى به ربه.

3- قصة طالوت: (الفهم العميق لطبيعة المعركة): كيف جهَّز المجموعة التي سيخوض بها المعركة حتى انتهى به الأمر إلى فئةٍ قليلةٍ هي التي سيخوض بها المعركة؛ ولذا قالوا لما سمعوا مَن يقول: (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)، قالوا مِن فورهم: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ... ) (البقرة:249-250).  

4- غزوة حمراء الأسد: ما اضطربوا وما ارتجفوا، وما تراجعوا بعد ما عاد الصحابة -رضي الله عنهم- مِن غزوة "أُحُد" يحملون جراحاتهم حتى صدر الأمر بالخروج إلى حمراء الأسد، فما تخلفوا وما جادلوا، بل انظر كيف قَابَلوا قول المرجفين لما قالوا لهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:173-174).

5- عمير بن الحمام: عاش من أجل الجنة، فلما جاءت سابق إليها.

6- حكيم بن حزام: (فزت ورب الكعبة): قضية عاش مِن أجلها، وظل ينتظرها، فلما جاءت نطق مِن فوره.

7- غلام الأخدود ومَن آمن معه: هذا لم يتم وليد لحظة، ولكن هذا الموقف لا يتم إلا من خلال استعداد مسبق يظهر عند المحك، فهل أنت مستعد للقاء ربك أم أنك سترد ملك الموت إن جاءك، وتقول له: إليك عني؛ فإني لم أستعد بعد، أعطني برهة من الوقت لأضبط فيها أحوالي؟? هل أنت هذا الرجل؟!

- (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون:99).

- (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون:10).

فهل أنت مستعد أن يأتيك ملك الموت؟!

فإن لم تكن مستعدًا؛ فمتى ستستعد؟!

موت الفجاءة رحمة للمؤمن وعذاب للكافر: لأنه مِن المفترض أن المؤمن مستعد للقاء الله في أي لحظة؛ فهو ليس بغافل ولا متناسٍ، بل يعلم أن الموت لا يأتي إلا بغتة.

فاللهم ثبتنا عند اللقاء.