الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 07 يوليه 2021 - 27 ذو القعدة 1442هـ

الإجازات والإنجازات

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن نعم الله -تعالى- لكثرة كاثرة، ولا يحصيها عد ولا يحوطها حد، ولا يجازيها فضل، فسبحان المنعم المتفضل، ومن نعمه: نعمة العمر أو الوقت، وإذا صح التعبير: نعمة معرفة قيمة الوقت.

فالوقت أو مفهوم إدارة الوقت هو: ضبطه وتنظيمه، واستثماره فيما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع في الأمور الدينية والدنيوية؛ فلذا معاشر  الشباب والفتيات، نذكِّر ونتذكر، ونعدد ونحاول أن نطبق مستعينين بربنا -جل وعلا-.

إن الصحة والفراغ من النعم التي غُبن فيها الكثير منا، وبات لا يقدِّر قيمتهما الأكثر، ولا يحسن استغلالهما إلا القليل النادر، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وقالت حفصةُ بنت سيرين -رحمها الله تعالى-: "يا معشر الشباب، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب؛ فإني ما رأيتُ العملَ إلا في الشباب" (صفة الصفوة).

فالعمر هو الوقت، وهو نعمة، والصحة أيضًا نعمة؛ فهلا استغللنا نعم الله في طاعة الله؟!

فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ) (رواه البخاري).

فلابد أن نتعرف على بعضٍ مِن أهمية الوقت التي تكمن في:

1- أن الكتاب والسنة أعلى من شأن الوقت واستغلاله، وحسن إدارته، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان: ??). "وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقبَيْن يَخْلُف أحدهما الآخر لمَن أراد أن يعتبر بما في ذلك، إيمانًا بالمدبِّر الخالق، أو أراد أن يشكر لله تعالى على نعمه وآلائه" (التفسير الميسر).

وحذَّر من التفريط فيه والتضييع منه، قال -تعالى-: (يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) (الفجر: ??). "يقول مِن شدة الندم: يا ليتني قدمت الأعمال الصالحة لحياتي الأخروية التي هي الحياة الحقيقية" (التفسير الميسر).

 2- أنه رأس مال المسلم الحقيقي؛ فهو العامل المساعد بعد ربه -جل وعلا- في إنجازاته وطموحاته، ويجعله أقرب إلى الله -تعالى- إذا ملئ بطاعته وعبادته -جل وعلا-.

3- استغلاله يساعد على تحسين الذات وتطويرها، وتحسين الإمكانيات العلمية والعملية، والروابط الاجتماعية، بل والصحة العام، والنشاط والحيوية.

4- أن استغلاله علامة فارقة بين الأفراد والأمم والشعوب في التقدم والازدهار، والسير في ركب الحضارة والتنمية.

5- أن الفراغ قتّال، ومشاكله كثيرة، وعواقبه وخيمة، وثمرته لا تخلو من أشياء تغضب الله -تعالى-؛ خاصة في عصر العالم المفتوح، والانشغالات الوهمية، والتطبيقات الذكية؛ فضلًا عن المشاكل النفسية والعصبية جراء غياب الهدف، وانعدام القيمة.

6- يساعدك على تحقيق آمالك، والوصول إلى هدفك بأمر الله -تعالى-؛ سواء الدنيوي أو الأخروي.

ولا بد أن نشير إلى بعضٍ مِن خصائص الوقت:

1- أنه سينقضي سريعًا؛ سواء استُغل أو فرطنا فيه: قال الله -تعالى-: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) (النازعات: 46).

وقال "ابن الجوزي" في رسالته اللطيفة التي نصح بها ولده بحفظ الوقت، وسمَّاها: (لفتة الكبد في نصيحة الولد): "اعلَمْ يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسًا، وكل نفَس خزانة؛ فاحذَرْ أن يذهب نفَس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندَمَ! وانظُرْ كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تودعها إلا إلى أشرف ما يمكن، ولا تهمِلْ نفسك، وعوِّدْها أشرفَ ما يكون من العمل وأحسنَه، وابعَثْ إلى صندوق القبر ما يسُرُّك يوم الوصول إليه" (قيمة الزمن عند العلماء).

2- أن الوقت يأتي مرة واحدة: والفرصة فيه مرة واحدة فلا يعود أبدًا إلا عند الحساب عليه يوم القيامة، قالت رابعةُ العدوية لسفيان الثوري: "إنما أنت أيام معدودة؛ فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك، ويوشك إذا ذهب البعضُ أن يذهب الكلُّ، وأنت تعلَم فاعمَل" (صفة الصفوة لابن الجوزي).

وقال الشاعر:

دقَّـاتُ قــَلْـب المرء قــائــلــةٌ لـه        إن الــحــيــاةَ دقــائـقٌ وثـــوانِ

فارفَعْ لنفسِك بعد موتِك ذِكرَهــا         فـالذـِّكرُ لـلإنـسـان عُـمْـرٌ ثــانِ

3- أنه علامة من علامات خيرية الناس ومكانتهم عند ربهم -جل وعلا-: روى أحمد عن أبي بكرة: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ) (رواه أحمد والترمذي، وقال الألباني: "صحيح لغيره").

ويبقى السؤال الذي مِن أجله انطلقنا في كلماتنا هذه، بعد معرفة قيمة الوقت وخصائصه، يبقى لنا أن نحدد:

ماذا ينجز في الإجازات من الإنجازات؟

أولًا: الإنجاز الأخروي:

1- في حفظ كتاب الله -تعالى- وقراءته، والانشغال به؛ فكله بركة، وما حوله بركة، والتفقه في الدين ومطالعة السير؛ لشحذ الهمم، وإيقاظ النفوس من سباتها، والتثقيف الديني، وطلب العلم؛ للوصول لصحة العمل، روى الشيخانِ عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن يُرِدِ الله به خيرًا، يُفقِّهْهُ في الدِّين) (متفق عليه).

فقيمتك بقيمة ما تحمل، ولا يليق بنا ونحن مسلمون أن تمر الساعات والساعات والأيام والليالي ولم نفتح كتاب الله -تعالى-، والمصيبة إن كان رصيدنا من الأغاني والأفلام يزداد بسبب فراغنا، فاللهم سلِّم سلِّم.

2- في ذكر الله -تعالى- والخُطا إلى المساجد، وفي أبواب الخير، ونفع الناس وقضاء وحوائجهم ومساعدتهم، ودعوتهم إلى دين الله -تعالى-، فالانشغال بالدعوة خير ما يستغل به الوقت ويستثمر، فأجور لا يعلمها إلا الله -تعالى-، روى الشيخانِ عن سهل بن سعدٍ -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعليِّ بن أبي طالبٍ: (والله لأن يهديَ الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك مِن أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم) (متفق عليه).

ولنحذر جميعًا: أن نضيع الأوقات في مجالس الغبية والنميمة، والسهرات على الشهوات وسط المعاصي المحرمات، فيا معشر الشباب استمتعوا بنعم الله بما يرضي الله -تعالى-.

ثانيًا: الإنجاز الدنيوي:

إننا أُمرنا أن نعمِّر دنيانا، وألا نكون عالة على غيرنا، فاليد العليا خير من اليد السفلى، فما أقبح أن نمد أيدينا لغيرنا، فإن لم يكتب لأمتنا الرقي والازدهار فمَن أحق بها!

فمِن الإنجازات الدنيوية:

1- استغلال الطاقات الشبابية في العمل النافع، والتسلح بالعلم، وتعلم مهارات جديدة، وأخذ دورات في البرامج الحديثة، وتنمية المواهب التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

2- المشاركة الفعالة في الأعمال المجتمعية والمنزلية والتطوعية داخل الحي أو البلدة في الإطار الشرعي المحدد من قِبَل المؤسسات الاجتماعية، وتحديد الهدف العامي والشخصي من تلك المشاركات.

3- ممارسة الرياضة المباحة والأنشطة العلمية والتثقيفية، وتعليم الصغار والإقبال عليهم، والقرب منهم، وزيادة الجلسات العائلية، وغرس القيم الإسلامية، وقراءة قصص وحكايات هادفة لهم.

4- تقليل ساعات النوم وتنظيمه، والبُعد عن كلِّ ما يجلب الكسل، والابتعاد عن الصحبة الفاسدة التي غيَّرت الكثيرين وضيَّعت آخرين.

5- الزيارات وصلة الأرحام، والالتقاء بالأحباب والإخوان والأصحاب بنية صالحة لله -تعالى-، والتنزه والتمتع بالطبيعة بعيدًا عن كل سبيل للحرام.

ثمرة الإنجازات بنوعيها:

- إن شاء الله -تعالى- السير في طريق السلف والعلماء في حفظ الوقت والعمر التي تملأ الصحائف بالحسنات والخيرات.

- النفع العام والخاص من تقدم البلاد، والرفعة من شأنها، فالشباب قوام البلاد، وعماد الحضارة والبناء بعد فضل الله -تعالى-.

فاللهم احفظ علينا وقتنا وعمرنا، واجعل هدفنا وجهك الكريم، واكتب لنا الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.