الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 11 فبراير 2021 - 29 جمادى الثانية 1442هـ

الفساد (83) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (11) شركات الأدوية من التنافس على الأدوية إلى الصراع على اللقاح (1-2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد جاء وباء كورونا بمثابة إنقاذ لكثيرٍ من شركات الأدوية، حيث روجت الأزمة لكثيرٍ من الأدوية التي تساهم في رفع مناعة الجسم، إلى جانب الفيتامينات والمقويات، وبعض المضادات الحيوية، وأدوية البرد وارتفاع الحرارة والرشح، إلى جانب المواد المطهرة بأنواعها، حيث كان الإقبال على تلك النوعيات من الأدوية كبيرًا جدًّا، وأثَّر ذلك بالطبع كثيرًا جدًّا على مبيعات بعض شركات الأدوية دون بعض، ودخلت تلك الشركات في منافسة مع بعضها البعض في توفير هذه النوعيات التي تهافت عليها الكثيرون وقاية أو علاجًا ينصح به أطباء على مواقع التواصل، ووسائل الإعلام المختلفة، ويقدمها الصيادلة للمترددين عليهم ليل نهار.

وفي نفس الوقت سارعت بعض الشركات بالإعلان عن استخدام بعض الأدوية في علاج وباء كورونا، واعتمدته بعض الدول وروجت له، كالترويج في أمريكا لعقار يستخدم في علاج الملاريا، واعتماد بعض الدول عقار (أفيجان) الياباني، وكذلك اعتماد الإدارة الأمريكية لعقار (رمديسيفر).

ولم تتوقف طموحات شركات الأدوية -خاصة العملاقة منها- عند هذا الحد، بل سارعت إلى الاتجاه نحو المشاركة في محاولة إنتاج لقاح جديد ضد هذا الفيروس المستجد، وفي أسرع وقت ممكن، وتحول الأمر إلى صراع عالمي غير مسبوق للإسراع في إنتاج هذا اللقاح المنتظر لأسبابٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وتجاريةٍ، ولو على حساب أو التهاون في ما هو متفق عليه من قواعد علمية يجب الرجوع والسير إليها وينبغي التقيد والالتزام بها في الترخيص والتصريح للجديد من اللقاحات والأدوية التي تقدَّم للبشر.

وكما كان هناك سباق بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في ارتياد الفضاء في الخمسينيات والستينيات من القرن الميلادي الماضي، فكذلك اليوم هناك سباق للوصول إلى لقاح ضد فيروس كورونا بين أمريكا والصين؛ كلٌّ منهما يسعى إلى أن يسبق غريمه إليه، ومن ورائهما العديد من الدول الساعية لتحقيق نفس الهدف، فبريطانيا تسعى وهي على مشارف الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى إثبات وجودها، وتعزيز صورة بريطانيا عالميًّا، إذا نجحت أبحاث جامعة أكسفورد البريطانية الواعدة في تحقيق هدفها.

وفوق ذلك: فإن الدولة التي سيمكنها تحصين مواطنيها ضد الوباء أولًا ستستعيد قواها العاملة وعافيتها سريعًا، وستحصل بذلك على هذه الميزة الاقتصادية قبل غيرها، ومع الارتفاعات القياسية في مبيعات شركات الأدوية العالمية، فإن الاستفادة المالية والاقتصادية مِن الجائحة أصبحت هدفًا مطلوبًا، وغير معلن تسعى إليه الدول المتقدمة، ليس مِن خلال تصنيع أدوية علاجية تساهم في علاج وباء الكورونا أو تصنيع معدات وقائية فقط، ولكن بالوصول إلى لقاح عالمي فعَّال ضد فيروس كورونا المستجد وتطويره.

اشتداد المنافسة على اللقاح:

جاء في جريدة الأهرام في عدد الجمعة 15 مايو 2020م (ص: 7) أنه: (أورد تليفزيون "دويتشه فيله" الألماني نقلًا عن صحيفة (بيلد أم زونتاج) محاولات الأمريكيين جذب العاملين في شركة (كيورفاك) التي تعمل على تطوير اللقاح بمدينة (توبنجن) الألمانية إلى الولايات المتحدة؛ إذ تسعى إدارة ترامب إلى إغراء العاملين بالشركة بمبالغ كبيرة للانتقال إلى الولايات المتحدة للحصول على اللقاح بشكل حصري، وأوردت الصحيفة عن مسئولين بدوائر حكومية ألمانية أن إدارة ترامب تفعل كل ما هو ممكن من أجل الحصول على اللقاح للولايات المتحدة الأمريكية فقط.

وأكد متحدث باسم وزارة الصحة الألمانية للصحيفة وجود اهتمام كبير بتطوير لقاحات وأدوية فعالة ضد فيروس كورونا الجديد في ألمانيا وأوروبا.

وأضاف المتحدث: أن حكومته على تواصل مكثف مع شركة (كيورفاك) للتكنولوجيا الحيوية التي تعمل منذ أسابيع على إيجاد لقاح ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، وتسعى برلين لإبقاء الشركة في ألمانيا ودعمها ماليًّا، فيما لم يعلِّق مسئولو الشركة نفسها على هذا التنافس الأمريكي - الألماني غير المعلن.

وقال (تورستن شولر) المتحدث باسم الشركة: إن التوصل إلى اللقاح على سلم أولويات (كيورفاك) منذ يناير الماضي، وأنهم قادرون على بدء اختبار اللقاح بالصيف المقبل سريريًّا على البشر) (راجع جريدة الأهرام - عدد الجمعة - 15 مايو 2020م من مقال بعنوان: "اللقاحات... ساحة تنافس جديدة بين أمريكا والصين"  ص7).

أنواع من اللقاحات منتظرة:

(بحسب منظمة الصحة العالمية تتسابق أكثر من 80 شركة ومؤسسة بحثية وعلمية وطبية عالمية لإنتاج علاج لإيقاف زحف فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) (راجع الأهرام عدد 15 مايو 2020 م، ص 7)، وأن هناك تجارب حول نحو 120 لقاحًا، ومنها: (اللقاح البريطاني): وهو لقاح (جامعة أكسفورد) وشركة (أسترا - زينيكا)، والذي تطوره جامعة أكسفورد وتنتجه بشراكة مع شركة (أسترا زينيكا) البريطانية، وقد أظهر اللقاح استجابة مناعية قوية على أكثر من ألف مريض، ويعد الأكثر قربًا إلى العالم.

اللقاح الصيني: وهو اللقاح الذي يجري تطويره بدعم من (كانسينو بيولوجيكس) الصينية، وقد حقق نتائج جيدة في إنتاج الأجسام المضادة لدى 500 مريض في تجربة منفصلة. وقد أكَّد باحثون يعملون في مختبر (سينوفاك بيوتك) في العاصمة الصينية بكين أن الشركة تجري تجارب إكلينيكية على لقاح جديد أثبت إيجابيته، يرتكز على توليد عنصر طفيلي خامل، أُطلق عليه اسم: (كورونافاك).

لقاح ألماني أمريكي فرنسي: وهو لقاح من تصنيع ائتلاف (بيونتيك - فايزر) الألماني الأمريكي ومختبرات (فالنيفا) الفرنسية.

لقاح موديرنا الأمريكي: حيث أعلنت الشركة المنتجة للقاح (موديرنا) الأمريكي أن التجارب السريرية للقاحها دخلت المراحل النهائية؛ مما يجعلها في طليعة السباق العالمي من أجل التوصل للقاح.

لقاح وزارة الدفاع الروسية: وهو لقاح روسي شارك في ابتكاره وإنتاجه مختصون روس -عسكريون وعلماء من مركز (غامالمي) للبحوث-. ولدى روسيا العديد من مشاريع تصنيع اللقاحات التي تدل على تصميم موسكو على تجنب الاعتماد في اللقحات على أي قوة أخرى منافسة لها.

لقاحات في مقدمة السباق:

مع نهاية عام 2020م بدأت بشائر ظهور لقاحات عديدة للاستخدام في التصدي لفيروس كورونا المستجد، ومنها: "اللقاح البريطاني"؛ حيث كانت بريطانيا أول دولة أوروبية تقر لقاحًا لـ(كوفيد - 19)، وتبدأ تطعيم مواطنيها به، بينما تعثرت فرنسا -وكذلك أستراليا-؛ بسبب عدم قدرتها على إنتاج لقاح ذي فاعلية مع كبار السن، وتجري دول الاتحاد الأوروبي -وكذلك اليابان وكندا- عمليات سريعة لإجازة لقاحات.

اللقاح الأمريكي: في الولايات المتحدة أجازت هيئتها الرقابية -هيئة الدواء والغذاء- في وقت قياسي لقاحًا طورته شركتا: (فايزر) و(بيونتك) للاستخدام في حالة الطوارئ، وأصدرت الشركتان بيانات بنتائج تجارب تظهر أن فعالية لقاحيهما في منع الإصابة تقدَّر بنسبة 95 %.

ولكي يكون اللقاح مؤثرًا؛ فلا بد من تناول جرعتين، ورغم التجارب على عشرات اللقاحات، فلا يوجد لقاح منها يكتفي بجرعة واحدة، فلا بد من جرعتين تُعطَى في الكتف بينهما فترة زمنية تختلف من لقاح لآخر؛ لضمان تكوين الأجسام المضادة بنسبة عالية يمكنها القضاء على فيروس كورونا. والمدة بين الجرعتين في عقار شركة فايزر وبيونتيك: 28 يومًا.

وتقوم فكرة الأمريكي على طريقة جديدة غير تقليدية تسمَّى: (ماسينجر آر إن أيه)، يتم فيها إرسال مادة تضلل الفيروس، حيث توحي إليه أنها تنتج البروتين الذي يتغذى ويتكاثر عليه، ولكنها في الحقيقة تنتج مادة تقضي عليه، وهذه الطريقة سبق استخدامها في علاج السرطان بتوجيه الضربات المباشرة للخلايا المصابة دون الإضرار بالخلايا السليمة. ويحتاج نقل هذا اللقاح درجة حرارة لا تقل عن 70 تحت الصفر! وهذه الدرجة لا يوفرها إلا النيتروجين المجمد.

(وستدير وزارة الدفاع الأمريكية، ومركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، التوزيع في الولايات المتحدة، ومِن المتوقع تحصين نحو 20 مليون بحلول نهاية 2020 م.

وقال مسؤولو الصحة العامة -الأمريكيون-: إن اللقاحات ستكون متوفرة لأغلب الأمريكيين في الصيدليات والعيادات ومكاتب الأطباء اعتبارًا من أبريل 2021 م، بحيث يكون بإمكان كل مَن يريد جرعة أخذها بنهاية يونيو 2021م.

وذكرت هيئة الرقابة على الأدوية في الاتحاد الأوروبي أنها قد تعطي موافقات تسويقية مشروطة للقاح فايزر بحلول آخر ديسمبر 2020 م، وستتخذ قرارًا بخصوص لقاح مودرنا خلال شهر يناير 2021 م.

وتتوقع إيطاليا الحصول على الجرعات الأولى من لقاح فايزر بيونتك أوائل 2021 م، وتأمل إسبانيا في طرح اللقاح في يناير 2021 م. وتتوقع ألمانيا -مقر شركة بيونتك- أن تطرح الجرعات في أوائل2021م، والاتجاه نحو شراء اللقاحات عن طريق خطة المشتريات المشتركة للمفوضية الأوروبية التي أبرمت صفاقات بنحو ملياري لستة لقاحات مختلفة.

اللقاح الصيني: وهو لقاح (سينوفورم)، الذي أنتجته شركة (سينوفاك) الصينية، وتصل نسبة وقايته من فيروس كورونا المستجد إلى 86 %، ونسبة 99% في إنتاج الأجسام المضادة للفيروس، ونسبة 100% في الوقاية من الوصول للحالات المتوسطة والشديدة من المرض، وقد تم إنتاجه بالطريقة التقليدية في إنتاج اللقحات التي تعتمد على حقن الجسم بفيروس ضعيف لينشط جهاز المناعة داخل الجسم ويقوم بتكوين الأجسام المضادة للفيروس، والتي تتربص بالفيروس إذا ما تسلل إلى الجسم، والمدة بين الجرعتين في اللقاح الصيني تبلغ 21 يومًا. ويحتاج اللقاح الصيني إلى تبريده قبل نقله إلى درجة تبريد بين درجتين وثمان درجات مئوية، وبالتالي يسهل نقله بدون احتياطات كبيرة.

ويعد اللقاح الصيني أول لقاح يتم استخدامه في مصر، حيث شارك نحو ثلاثة آلاف متطوع مصري في تجاربه الإكلينيكية والسريرية إلى جانب متطوعين أخرين من السودان والبحرين والإمارات، وقد حصلت إحدى شركات الإمارات (شركة جي 42) على توكيل اللقاح تمهيدًا لإنتاجه.

شراء لقاحات للدول الفقيرة:

قامت منظمة الصحة العالمية بعمل مشروع (كوفاكس) مع مجموعة (جافي) للقاحات حيث جمعت نحو ملياري دولار من الدول الغنية والجمعيات غير الهادفة للربح لشراء وتوزيع اللقاحات على عشرات من الدول الأكثر فقرًا، وهدف البرنامج الأول هو تحصين ثلاثة بالمائة من سكان هذه الدول، وهدفه النهائي الوصل إلى نسبة 20 % من سكانها.

و(جافي) شراكة صحية دولية بين القطاعين العام والخاص، وقد تم إنشاؤها عام 2000م، ومقرها يوجد في أوروبا في مدينة (جينيف) عاصمة سويسرا، وهي ملتزمة بتوصيل اللقاحات إلى الدول النامية الفقيرة مجانًا أو بأسعار مخفضة تناسب مقدرة كل دولة من الناحية الاقتصادية. ويتم تمويل (جافي) من خلال منظمات تابعة للأمم المتحدة، منها: الصحة العالمية، واليونيسيف، والبنك الدولي، ومراكز الأبحاث الطبية في الشركات العالمية والجامعات الكبرى إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها: مؤسسة بيل وميليندا جيتس، والتي تبرعت بمليار ونصف مليار دولار.

والمفترض أن: أي لقاح ينجح في الحصول على رخصة الطوارئ من منظمة الصحة العالمية سيعتمده التحالف الدولي للقاحات ويقوم بتوفيره. وقد وقع المشروع اتفاقًا لشراء لقاح (أسترا - زينيكا) الذي لا يتطلب التخزين في عبوات خاصة باردة للغاية، مثل: لقاح فايزر، وعن كلفته، فقد تفاوض صناع اللقاحات مع الحكومات بأسعار متابينة للقاحات، فبينما بلغت جرعة لقاح (أسترا - زينكا) بضعة دولارات وصلت الجرعتان المطلوبتان للتحصين بلقاح فايزر إلى 50 دولارًا.

توفير اللقاح في مصر:

في الوقت الذي سَعَت فيه مصر للمشاركة في إنتاج لقاح فعال لفيروس كورونا المستجد، والذي أعلن عن إمكانية ظهوره في أبريل 2021م، فقد تعاونت مصر مع الصين في دراسات مشتركة حول تجربة اللقاح الصيني، حيث دخلت التجارب السريرية في نهاية المرحلة الثالثة، والتي تَلْقَى -كما أعلن ونشر- نتائج مبشرة، وإذا أصبحت هذه النتائج متوافقة مع منظمة الصحة العالمية، فهناك اتفاق بأن يتم تصنيعه أيضًا في مصر.

وقد سارعت الحكومة المصرية في الأخذ بخطوات سباقة للحصول على لقاح فعال ضد فيروس كورونا المستجد، مِن خلال: تفاوض وزارة الصحة المصرية من التحالف العالمي للقاحات والتحصين (جافي)، الذي يساعد الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل على توفير اللقاحات بأسعار أقل كثيرًا عن السوق العالمي، وكان مجلس الوزراء قد وافق على تفويض وزيري: المالية والصحة والسكان باتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير اللقاحات المطلوبة، والتعاقد عليها؛ لتوفير 20 مليون جرعة، مع توجيه المجموعة الطبية للبدء في التحرك للتجهيز والاتفاق مع شركات أخرى لتأمين أكبر كمية ممكنة من اللقاحات والعرض على مجلس الوزراء.

ونظرًا لأن المشهد الحالي بشأن اللقاحات لم يكتمل بعد؛ فلا تستطيع أي دولة الحكم النهائي إلا من خلال دراسة وبحث مدى ملائمة كل لقاح تصدر الموافقة عليه مع إستراتيجية الدولة، مع انتظار حصول أي لقاح مناسب على رخصة (طوارئ) من منظمة الصحة العالمية، ويعتمده التحالف الدولي للقاحات، فيتم توفيره.

وإذا كان لقاح (سينافورم) الصيني هو أول لقاح يُستخدم في مصر حيث تسلمت مصر من دولة الإمارات العربية المتحدة أول شحنة من شحنات لقاح فيروس كورونا الصيني، فإن مصر لن تكتفي به، وإنما ستدخل لقاحات أخرى حسب اتفاقها مع التحالف العالمي للقاحات المعروف باسم: (جافي)، وهو الاسم المختصر من حروف التحالف.

وقد أعلنت وزارة الصحة في مصر -كغيرها من الدول- أن الأولوية في توزيع اللقاح: ستكون للعاملين بمستشفيات العزل والصدر والحميات، ولمرضى الأورام والفشل الكلوي ولكبار السن ولأصحاب الأمراض المزمنة. وقد أعلنت بعض الدول أن في أولويات التوزيع أيضًا -بعد الأطقم الطبية- عمالة الخدمات غير الصحية الذين يتعاملون وجهًا لوجه مع الناس، كما في المطارات والجامعات والمطاعم والمقاهي.

أهم الطرق العالمية للحصول على اللقاحات:

هناك طرق ثلاث للحصول على اللقاحات، منها: المبادرة الدولية للتوزيع العادل للقاحات (كوفاكس)، وهي تابعة لمنظمة الصحة العالمية، ومصر تتعامل معها منذ زمن طويل، وهي توفِّر اللقاحات بعد شرائها ثم بيعها للدول بأسعار مخفضة، فهي مسؤولة عن القيام بالتقويم الفني للقاحات، وعن توزيعها على البلاد المشتركة في المبادرة، ومنها: مصر، ولكنها تقوم بهذا على حسب ما يتاح لها؛ لذا فليس من المناسب الاعتماد عليها.

ومنها: الشراء المباشر عن طريق التعاقد بين وزارة الصحة الممثلة للحكومة والشركة المنتجة للقاح، بعد إعلان نية الشراء، حيث تقوم هيئة الشراء الموحد والتكنولوجيا الطبية بدورها في التعاقد والشراء.

ومنها: طريقة التعاقد على التصنيع والشراء بين جهتين: الجهة المصرية ودولة أخرى أجنبية، وهو ما يحدث حاليًا بين شركة (فاركو) المصرية و(جملايا) الروسية للأدوية، وبين شركة (فاكسيرا) المصرية وشركة الأدوية الصينية.

هل هناك مخاطر للقاحات المنتظرة؟

تعرضت العشرات من شركات الأدوية ومراكز الأبحاث العلمية في عشرات الدولة خاصة الدول المتقدمة علميًّا إلى ضغوط سياسية واقتصادية وتجارية شديدة للإسراع بإنتاج لقاح يؤثِّر على فيروس كورونا المستجد، خاصة بعد أن تفشى الفيروس بصورة غير مسبوقة في دول العالم المتقدمة وغير المتقدمة؛ شرقًا وغربًا بلا تمييز، بل كان نصيب الدول المتقدمة من الوباء كبيرًا، وعليه ترددت الأنباء سريعًا عن بدء العمل لإنتاج اللقاح المنتظر منذ بدايات عام 2020م.

وبالفعل لم ينتهِ العام إلا وظهرت أنباء جديدة عن النجاح في الوصول إلى اللقاح المنتظر في العديد من الدول، وهو أمر لا يخلو من مخاطر، ومنها: أن المعتاد علميًّا وعمليًّا أن إنتاج لقاح ما يحتاج من بداية الأبحاث إلى الإنتاج فترة لا تقل عن 70 شهرًا، ولكن حالة الطوارئ الحالية فرضت على الشركات المشاركة في أبحاث عن لقاح أن تختصر المدة إلى سبعة أشهر، وبالتالي: لم تكن الأعداد التي أجريت عليها تجارب الأبحاث كبيرة وكافية، ولم تكن الفترة الزمنية للأبحاث طويلة بالقدر الكافي، مما يترتب عليه عدم التأكد من التعرف على كل الآثار أو الأضرار الجانبية الممكنة -أو المتوقعة- لاستخدام اللقاح؛ لذا فقد نفاجئ مع التوسع الكبير في استخدام اللقاح بمئات الملايين من الأعداد بظهور مضاعفات أو أضرار لم ترصد من قبل، وهو احتمال وارد لا يمكن علميًّا تجاهله أو التقليل من شأنه؛ ولهذا فإن التصريح الذي سيُعْطَى لأي لقاح هو تصريح مؤقت للاستخدام في حالة الطوارئ الحالية، مع الترقب للآثار الجانبية المحتمل ظهورها مع تزايد استعمال اللقاح.

وقد اختلفت لذلك الآراء حول الإسراع في الترويج لهذه اللقاحات المعلن عنها؛ فمَن يؤيد استخدامها يراها انتصارًا علميًّا وإنجازًا بشريًّا غير مسبوق، ومثالًا للتعاون الدولي في الأبحاث العلمية، ويراها ضرورة فرضتها جائحة كورونا، ويرى أن نتائج الأبحاث مطمئنة؛ حيث لم تظهر أي أعراض جانبية خطيرة حتى الآن، فلا تعدو الآثار الجانبية عن ظهور احمرار مكان الحقن يزول باستعمال بعض الكريمات الموضعية، أو ارتفاع قليل في درجة حرارة الجسم يمكن التغلب عليه باستعمال بعض مخفضات الحرارة المعروفة، أو حدوث سيلان من الأنف مؤقت يمكن أيضًا التغلب عليه باستعمال السوائل الدافئة؛ هذا إلى جانب الشعور بتكسير في الجسم مؤقت يزول سريعًا، وهذه كلها أعراض بسيطة معتادة من قبْل حدثت -وتحدث- مع اللقاحات الأخرى بصورة غير مقلقة.

أما مَن يطالب بالتريث وعدم التسرع في تداول اللقاحات المعلن عنها؛ فيرى ضرورة الانتظار حتى بلوغ حد الاطمئنان لها تمامًا؛ خاصة أنه لم تنشر أي شركة من الشركات التي أعلنت عن إنتاج أو قرب إنتاج لقاح أي نتائج في مجلة من المجلات العلمية الموثوق بها، وعدم الإعلان حتى الآن وبشفافية تامة عن نتائج الأبحاث لا يبعث على الاطمئنان التام لتلك اللقاحات؛ فإن ما تعلنه الشركات المصنعة ما هي إلا بيانات صحفية دعائية تصدر من الشركة وليست تقارير علمية يمكن منها تحديد مدى فاعلية اللقاح ومقارنته بأنواع اللقاحات الأخرى، فنتائج لقاح (سينافورم) الصيني لن تنشر قبل ثلاثة أشهر، ومِن الأولى التريث حتى إعلان هذه النتائج والاطمئنان إليها.

والحكومة البريطانية سارعت بالتباهي باللقاح الذي أنتجته بريطانيا، وبدأت في تداوله دون أن تنتظر إعلان نتائج تجارب اللقاح بصورة علمية مطمئنة؛ يحدث هذا في الوقت الذي وجهت فيه الاتهامات لشركة فايزر بأنها تعمدت الإعلان عن نجاح لقاحها لأسباب سياسية تتعلق بانتخابات الرئاسة الأمريكية والتسابق فيها.

والسائد حتى الآن أن اللقاح وحده لا يكفي، ولا شك عند أشد الأطباء المتحمسين للقاحات أن فاعلية أي لقاح منها لن تصل إلى نسبة أمان مائة في المائة؛ لذا لا مفر من الاستمرار في إجراءات الحذر، والاحتراس من الفيروس؛ لزيادة نسبة الأمان إلى ما فوق النسب المعلن عنها.

والمرجح حتى الآن أن مَن يستخدم اللقاح ما زال معرضًا للإصابة، ولكنها إصابة مخففة، وبالتالي: قد لا تظهر عليه أعراض المرض، وهو في هذه الحالة يعد حاملًا للفيروس، وبالتالي يمكن انتقال الفيروس منه إلى غيره دون أن ينتبه أحدٌ لذلك.

والمؤكَّد حتى الآن: أن مدة فاعلية اللقاح المنتظر مهما ارتفعت فلن تزيد فترتها عن ستة أشهر إلى تسعة أشهر؛ لذا سيتكرر استخدام اللقاح موسميًّا كما هو متبع مع فيروس الأنفلونزا، كما سيتم تغيير اللقاح من سنة إلى أخرى للتغلب على المناعة التي قد يكتسبها الفيروس؛ بسبب ما يعرف عن قدرة الفيروسات على التحور.

وهناك مخاوف حول مدى قدرة شركات اللقاحات على إنتاج وتوفير الكميات المهولة اللازمة لمواجهة الوباء وتوزيعها، لا سيما بعد ما حجزت الدول الغنية كميات كبيرة من اللقاحات المنتظر إنتاجها؛ ولهذا ينبغي على الدول الفقيرة اتخاذ التدابير الاحترازية والعمل على مواجهة الموجة الثانية من فيروس كورونا بطرق متعددة.

وقد جاء في جريدة (النبأ) عدد السبت 26 ديسمبر 2020 م (ص 3) -والعهدة على الجريدة- تحت عنوان: (فضيحة كبرى تهز الشركة الصينية المنتجة لقاح كورونا: سينوفارم متهمة ببيع ألف تطعيم مضروب ضد الدفتيريا في 2018 م): (في عام 2018 م توافرت شبهات فساد بعد تورطها في فضيحة بيع أكثر من 400 ألف لقاح به مشاكل، ومفترض أن يعالج الدفتيريا، وأمراض أخرى في مقاطعتين صينيتين؛ مما يثير شكوكًا حول قدرة شركة سينوفارم على توفير لقاحات آمنة بحسب تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. وكانت الشركة بدأت في أبريل 2020 م تطوير لقاحات فيروس كامل معطل كيميائيًّا لفيروس كورونا، ونشرت نتائج المرحلة الثانية في بعض المجلات الطبية، وأجرت سينوفارم عددًا من التجارب السريرية على لقاح كورونا في بلدان: الأرجنتين، والبرازيل، ومصر، والأردن، والمغرب، وباكستان، وبيرو، والإمارات العربية المتحدة.

وفي 9 ديسمبر أعلنت الإمارات عن التسجيل الرسمي للقاح سينوفارم بعد إعلان نسبة فاعلية 86 %، وهي الشركة الإماراتية (جي 42)، وهي شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تأسست عام 2018 م، وتعمل على تطوير حلول لعدد من المجالات، مِن بينها: الرعاية الصحية بحسب موقعها الإلكتروني).

ويرى البعض أنه في ظل انتشار الموجة الثانية من الفيروس؛ فإن الاستفادة من أي لقاح لن تكون مجدية بالقدر الكافي، وعليه يمكن تأجيل استخدام اللقاح إلى ما قبل الموجة الثالثة على مشارف الشتاء القادم.

مقالات للمراجعة:

- (اللقاحات... ساحة تنافس جديدة بين أمريكا والصين)، الأهرام عدد الجمعة 15 مايو 2020م، ص 7.

- (صراع حيتان اللقاحات يشعل أزمة كورونا وأرواح الشعوب الفقيرة في قبضة مافيا الأدوية)، جريدة النبأ - عدد السبت 28 نوفمبر 2020م، ص 2.

- (حيرة 100 مليون في مصر: نأخذ الفاكسين أم ننتظر)، مقال الكاتب عادل حمودة - جريدة الفجر عدد الخميس 17 ديسمبر 2020م، ص 3.

- (كواليس تحركات الحكومة للفوز بأهم 3 لقاحات مضادة لكورونا قبل شهر يوليو المقبل) - جريدة النبأ - عدد السبت 19 ديسمبر 2020 م، ص 5.