الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 03 ديسمبر 2020 - 18 ربيع الثاني 1442هـ

لحظة... قبل أن تطلق! (5)

كتبه/ وائل عبد القادر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

القاعدة السادسة: آخر العلاج الكي:

أيها الزوج: إن الإسلام لا يغفل عن الواقع، فقد ينشب الخلاف بين الزوجين، وتستحيل العشرة بينهما ولا يكون هناك بديل عن الطلاق، ولكن لا يجوز أن يكون الطلاق الخطوة الأولى في حسم خلافك مع زوجتك؛ بل لا بد من أن تلجأ إلى ما ذكرنا من الوسائل السباقة قبل الطلاق لعلاج هذا الخلاف؛ فلا تعجل ولا تتسرع بالطلاق، فتندم بعد فوات الأوان.

أيها الزوج الكريم: إن الصلة بينك وبين زوجتك من أقدس الصلات وأوثقها، وليس أدل على قدسيتها من أن الله -عز وجل- سمَّى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ؛ ولذلك كان حل رابطة الزواج، وإنهاء العلاقة الزوجية -بلا سبب حقيقى- أمرًا بغيضًا في الإسلام؛ لما يترتب عليه من تفكيك للأسرة، وتشتيت لأفرادها. فلا ينبغي للمسلم أن يقدِم عليه دون مسوغ مقبول.

إن الطلاق لم يشرع في الإسلام ليكون سيفًا مسلطًا على رقبة المرأة كما يعتقد بعض الأزواج، ولا شُرع ليكون يمينًا تؤكَّد به الأخبار كما يفعل بعض الجهال، ولا ليكرم به الضيوف، ولا لحمل المخاطب على فعل شيء أو الامتناع عن شيء مثل ما اعتاد عليه بعض الناس! فهذا خطأ عظيم، وانحراف كبير في استعمال هذا الأمر الشرعي.

- إذا لم يكن إلا الطلاق؛ فعليك بطلاق السنة، وإياك وطلاق البدعة.

إذا استحالت العشرة بين الزوجين ووصلت المشكلات إلى طريق مسدود ولم تصل محاولات الحكمين إلى الصلح، ولم يكن ثم إلا الطلاق فإن الإسلام العظيم قد نظَّم للمسلم طريق الطلاق ولم يتركه لأهوائه أو ميوله، فالإسلام يحرص كل الحرص على كيان الأسرة حتى عند انفراط عقدها، ويضع من الإجراءات والتنظيمات ما تحد من خسائر انهدام هذا الكيان قدر المستطاع، بل بما قد يؤدي إلى عودة الحياة من جديد إلى علاقة الزوجية، فأنزل مما أنزل في كتابه سورة سُميت بالطلاق، تنظمه وتحدد حدوده وضوابطه، فقال -تعالى- فى مطلع السورة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (الطلاق:1).

جاء فى التفسير الميسر: "يا أيها النبي إذا أردتم -أنت والمؤمنون- أن تطلِّقوا نساءكم فطلقوهن مستقبلات لعدتهن -أي في طهر لم يقع فيه جماع، أو في حَمْل ظاهر-، واحفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم أن تراجعوهن، وخافوا الله ربكم، لا تخرجوا المطلقات من البيوت التي يسكنَّ فيها إلى أن تنقضي عدتهن، وهي ثلاث حيضات لغير الصغيرة والآيسة والحامل، ولا يجوز لهن الخروج منها بأنفسهن، إلا إذا فعلن فعلة منكرة ظاهرة كالزنا، وتلك أحكام الله التي شرعها لعباده، ومَن يتجاوز أحكام الله فقد ظلم نفسه، وأوردها مورد الهلاك. لا تدري -أيها المطلِّق-: لعل الله يحدث بعد ذلك الطلاق أمرًا لا تتوقعه فتراجعها" (انتهى).

فنظمت هذه الآية وغيرها، وكذا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ضوابط إيقاع الطلاق على السنة بما سماه الفقهاء بـ"الطلاق السني"، وسموا ما انتقص فيه شرط أو أكثر بالطلاق البدعي.

والطلاق السني يُشترط فيه ما يلي:

1- أن يوقعه الزوج على زوجته وهو مستقبلة لعدتها، وتكون كذلك إذا طلقها فى طهر لم يجامعها فيه، أو طلقها وهى حامل.

2- أن يوقع الطلاق بلفظ الطلاق لا بلفظ الظهار أو التحريم أو الحلف بالطلاق، قاصدًا إيقاعه.

3- أن يوقعه طلقة واحدة لا ثلاث ولا أكثر.

فإن طلقها بهذه الضوابط لزمها أن تبقى طوال عدتها فى بيت الزوجية، ولا يحل لها أن تخرج، ولا أن يسارع أهلها لأخذها كما يفعل كثير من المسلمين خلافًا لما شرعه الله رحمة بالعباد، وحكمة منه بالغة كما قال -عز وجل-: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)؛ فأكثر مشكلات الطلاق إنما تحدث بسبب الجهل بهذه الأحكام الشرعية الحكيمة، الرحيمة بالعباد.

فبمجرد أن تُطلق المرأة ينهي الطرفان جميعَ الأمور ويقطعان حبائل العلاقة الزوجية بالكلية، ويتناسى كل منهما أن المرأة المطلقة رجعيًّا لا تزال زوجة حكمية طالما أنها فى عدتها، فيجعلونها كالبائنة بينونة كبرى فيأتي أولياء المرأة فيأخذونها بعيدًا عن بيت زوجها طوال فترة العدة؛ فتتفاقم الأمور وتتضخم المشكلات، ويتشدد كل طرف عند رأيه، وتنتهي العدة، وتنتهي العلاقة الزوجية مخلِّفة وراءها آثارًا سلبية، وجراحًا عميقة على الجميع.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.