الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 16 يناير 2008 - 7 محرم 1429هـ

حول مقتل الحسين والاحتفال بعاشوراء

السؤال:

فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أفتونا مأجورين فيما يقوم به بعض المنتسبين إلى الإسلام من أهل إيران وغيرهم من الشيعة الرافضة من التطبير والنياحة، وإحداث الجروح وإسالة الدماء في يوم عاشوراء؛ بدعوى الحزن على مقتل الحسين -رضي الله عنه-، فهل لهذا الأمر من أصلٍ في الدين، وإن كان كذلك فما دليله؟ وما الواجب حيال هذا الأمر إذا لم يكن مشروعًا؟ وهل يشرع إحياء يوم عاشوراء على أنه ذكرى مقتل الحسين -رضي الله عنه- من باب موالاة أهل البيت، وإن لم يكن كذلك فما هي أسباب تعظيم أهل السنة لذلك اليوم؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيوم عاشوراء من أيام الله التي يتذكر فيها أهل الإيمان نعمة الله -سبحانه وتعالى- بإنجاء موسى -عليه السلام- وقومه، وهلاك فرعون وجنده، ويقتدون بنبيهم -صلى الله عليه وسلم- في صومه متابعًا لأخيه موسى -عليه السلام-، شاكرًا نعمة الله عليه، فهي نعمة علينا كذلك، فاحتفالنا بيوم عاشوراء إنما يكون بصيامه الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَه) (رواه مسلم)، والمستحب أن يصوم التاسعَ معه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) (رواه مسلم)، أي مع العاشر، مخالفة لليهود في صفة الصيام مع الموافقة في أصله، لأنه ثابت عن نبي الله موسى -عليه السلام-.

وأما التوسعة على الأهل والعيال يوم عاشوراء؛ فالحديث الوارد في ذلك ضعيف لا تقوم به حجة، فغاية ذلك أن يكون مباحًا، والأوْلى أن يكون هذا اليوم في باب الطعام والشراب كسائر الأيام.

أما ما يفعله الرافضة في هذا اليوم من إحياء ذكرى مقتل الحسين -رضي الله عنه- بإقامة المآتم والنياحة، واللطم، وجرح النفس والغير؛ فإنه من مظاهر الجاهلية، وضلالات أهل البدع، ومخالفات مَن أعرض عن الكتاب والسنة، ومسألة إحياء الذكرى السنوية لموت إنسان أيًّا مَن كان، أو لمولده؛ مِن البدع المحدثة التي تَدخل في عموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) (متفق عليه)، وقوله: (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) (رواه مسلم).

وهل أحيا الصحابة -رضي الله عنهم- أو مَن بعدهم من التابعين وتابعيهم أو أهل العلم من بعدهم ذكرى موت خير خلق الله -تعالى-؛ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

وهل أحيا أحد ذكرى موت أبي بكر أو مقتل عمر أو عثمان أو علي -رضي الله عنهم-، وهم أولى مِن الحسين -رضي الله عنه- وأفضل بلا نزاع بين المسلمين؟!

فما أحيا أهل السنة مولدًا ولا مأتمًا في تاريخهم النقي، وإنما أحدث ذلك أهل البدع والضلال.

ثم في كيفية إحياء مقتل الحسين باللطم والنياحة مخالفة صريحة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ) (متفق عليه)، وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَالنَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ) (رواه مسلم)،

فإذا كان لطم الخدود محرم وكبيرة مِن الكبائر، وليس منَّا من فعله، وإذا كان صوت النائحة صوتًا ملعونًا كما في الحديث: (صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ) (رواه البزار في مسنده، وحسنه الألباني)؛ فكيف بتقطيع الأجساد بالسيوف، وإسالة الدماء من الرؤوس والوجوه والأبدان؟! وهل يفعل ذلك عاقل فضلاً عن عالم، بل مسلم؟!

وكيف لمسلم السير في مواكب الخرافة بهذه الهيئة المنكرة التي تضحِك العالـَم على سخافة العقول، وتنفر الناس من زبالة الأذهان التي يدَّعون أنها دين الله -سبحانه-، فهل وَعَوْا أنهم ينفـِّرون العالم عن الإسلام جملة بما ينسبونه إليه؟!

وهل ينتفع الحسين -رضي الله عنه- الشهيد المظلوم بشيء من هذه البدع؟! إنما ينتفع باتباعهم له على منهجه وطريقته في حب أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- واتباعهم، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ومعرفة مغبة تصديق أمثال هؤلاء المبتدعة مِن أسلافهم الذين غروه بالنصرة، ثم باعوه وخانوه وأسلموه لمن قتله ظلمًا وعدوانًا، وإدراك مدى المصيبة التي حلت بأمة الإسلام بمقتله بترك الأسباب المؤدية إلى مثلها، ومراعاة المصالح والمفاسد، والقدرة والعجز في تغيير المنكر.

وأهل السنة يعلمون أن الحسن والحسين -رضي الله عنهما- سيدا شباب أهل الجنة، ولهما منزلة خاصة في الحب والود في قلوبهم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهما: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، لكن لا يشرع لأحد إحياء ذكرى موتهم؛ لما سبق من الأدلة، بل حبهم باقٍ مستمر في القلوب دون بدع وضلالات، ونحن أولى بالحسين منهم.

ونحن كذلك لا نرضى بطريقة من يذم الحسن -رضي الله عنه- أو يطعن فيه ويصحح طريقة من قتله، فإن هذا مِن أهل الفساد والإجرام، وإن كان لا يلزم من ذلك تكفيره، فإنه ليس كل مَن خرج على الحاكم يكون مستحقًا للقتال فضلاً عن القتل، وإذا كان الإمام غير عدل فلا يجوز له أن يقاتل مَن خرج عليه حتى يزيل المظلمة التي ذكرها إن كانت حقـًّا، فإن أصر على الخروج والمخالفة بعد إزالة المنكر الذي نقمه فله أن يقاتله؛ لأن الله -تعالى- قال: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9).

فالواجب أولاً هو الإصلاح وهو فعل الصلاح، فيلزم الإمام أولاً فعل الصلاح وترك الفساد، أما أن يصر على مقاتلتهم مع استمراره على فعل الفساد؛ فهذا لا يباح شرعًا، وإن كان فساده لا يبيح الخروج عليه لما فيه من المفاسد؛ ولذا قال الإمام مالك -رحمه الله- فيمن خرج على إمام ظالم: "دعه، ينتقم الله مِن ظالم بظالم، ثم ينتقم منهما جميعًا"، والحسين -رضي الله- عنه لم يكن خارجًا على إمام عادل، بل خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مجتهدًا في مسألة المصلحة والمفسدة، وظن القدرة على إزالة المنكرات "ومدار مسألة الخروج على الأئمة إذا جاروا هو المصلحة والمفسدة، والقدرة والعجز" وظنَّ -رضي الله عنه- أنه لا يترتب على خروجه فساد أكبر مِن فساد صبره على جورهم، وظن كذلك القدرة على إزالة فسادهم، وكان مجتهدًا مخطئًا في تقديره، معذورًا له أجر واحد في ذلك.

ولكن خطؤه -رضي الله عنه- لم يكن ليبيح لهم قتله، بل ولا قتاله حتى يزيلوا المظالم والمفاسد التي ارتكبت في ملك يزيد بن معاوية بعد موت معاوية -رضي الله عنه-، فلم يكن خروج الحسين على عَدْل حتى يستحق وصف البغي الذي يستحق صاحبه القتال، ثم هو حين حوصر عرض على مقاتليه أن يَدَعوه يذهب إلى الثغور، أو يعود إلى مكة، أو يرسلوه إلى يزيد، فأبوا عليه ذلك، إلا أن يستسلم لهم، وكان معه أهله وحريمه فأبى ذلك؛ لما يعلم من فسقهم وفسادهم، فقاتل حتى قتل شهيدًا مظلومًا -رضي الله عنه-، وقد نصحه من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- وغيره في عدم الخروج؛ لما يتوقعون من الفساد، فلم يرضَ الهوان -رضي الله عنه-؛ وذلك لعلو همته وإباء عزيمته؛ فكان ما كان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولا يوجد من أهل السنة عالم يصحح قتله أو يرضى به، وإنما يصوِّب ذلك مَن كان جاهلاً بمذهبهم أو متعصبًا للولاة أيًّا مَن كانوا، ويرسِّخ في الناس الموالاة المطلقة لهم على فسادهم وظلمهم، وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله- عن يزيد بن معاوية: "وهل يحب يزيدَ أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر، وقد فعل بأهل المدينة ما فعل" -وكان أهل المدينة أيضًا قد خلعوا بيعته-؛ فلم يذمه على قتل الحسين -رضي الله عنه- "وهو أعظم"؛ لأنه لم يأمر به، وإنما أمر بمنعه من الخروج ولو بمقاتلته، فكان متأولاً ولذا امتنع تكفير مَن قتله بهذا التأويل، ومن كان منهم منافقًا في الباطن يَكره آل البيت لمنزلتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو ثأرًا لمن قُتل من آبائه يوم بدر، فهو في الدرك الأسفل من النار، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

لكن نحن لا نطلع على البواطن، ولا نعامل الناس إلا بما ظهر منهم، والظاهر أنهم متأولون -وإن كانوا مجرمين مفسدين- عليهم مِن الله ما يستحقونه، ورضي الله عن الحسين، وسائر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.