الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 19 نوفمبر 2019 - 22 ربيع الأول 1441هـ

الفساد (34) الأحزاب والحياة السياسية في مصر (2-4)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عادت مصر للتعددية الحزبية في السبعينيات بعد أكثر من عشرين عامًا من التنظيم السياسي الواحد في أعقاب ثورة يوليو، التي حلت الأحزاب وحظرت نشاطها.

ولما كانت المنافسة الحزبية تعد أهم مكونات العملية الديمقراطية، والمؤشر على استيعابها من خلال انتخابات حرة يتسابق فيها عددٌ مِن الأحزاب على مقاعد البرلمان، فإن نجاح هذه العملية يتوقف على: مدى المشاركة الشعبية فيها، ومدى تعبير برنامج الحزب الفائز عن رغبات الأغلبية، ومدى إمكانية تداول الحكم بين الأحزاب المتنافسة بعيدًا عن التنافسية الاحتكارية التي يحتكر فيها حزب دون غيره الانتخابات، وهذا يعني سيطرة الجماهير على العملية السياسية، وهو الهدف من العملية الانتخابية.

بنية المنافسة الحزبية: "هي مجموعة الضوابط القانونية والمؤسسية والتنظيمية التي تحدد القدرة التنافسية النسبية لكل حزب، بمعنى قدرة الحزب على كسب الأصوات أو فرصته في التطلع إلى الأغلبية مقارنة بالأحزاب الأخرى".

ولها ثلاثة عناصر، أولها: النظام الحزبي:

حيث تختلف النظم الحزبية من نظامٍ سياسيٍ لآخر، فهناك التعددية الحزبية بوجود ثلاثة أحزاب كبيرة أو أكثر، وهناك نظم تقوم على حزبين كبيرين متنافسين، ومعهما أحزاب أخرى صغيرة، وهناك نظم للحزب الواحد، ما بين نظم شمولية أو نظم سلطوية مسيطرة، وهناك اتفاق على غياب التنافسية في ظل نظام الحزب الواحد، وأن العبرة في المنافسة بحجم التفاعل بين الأحزاب لا بعددها، فقد يكون عدد الأحزاب كبيرًا، لكن التفاعل بينها منخفض.

ثانيها: المؤسسات السياسية:

وهي المؤسسة الانتخابية، والمؤسسة التشريعية، والمؤسسة الحكومية "ويتمثل دور هذه المؤسسات فيما تفرضه مِن قيودٍ على بعض الأحزاب تقلل مِن قدرتها التنافسية، مقابل ما توفِّره من فرصٍ لأحزابٍ أخرى تعزز من قدرتها" (المرجع السابق، ص 15).

فالمفترض أن هناك علاقة مباشرة صادقة ودقيقة بين عدد الأصوات التي يحصل عليها الحزب وعدد المقاعد المخصصة له في البرلمان، ولكن يمكن أن يكون هناك قدرًا مِن التحريف لهذه العلاقة بحيث يخصص للحزب عددًا من المقاعد أقل أو أكثر من نسبة الأصوات التي حصل عليها، ويرجع ذلك إلى القوانين الانتخابية بشكل مباشر، وإلى طريقة تقسيم الدوائر بشكل غير مباشر، وكلما كانت درجة التحريف كبيرة لصالح الحزب الأكبر، كانت البنية التنافسية بنية احتكارية، وهذا متوقف على دور المؤسسة الانتخابية.

والمفترض أيضًا: أن تكون هنا علاقة مباشرة بين عدد المقاعد التي يحصل عليها حزب وعلى قدرته على المساومة عند الدخول في ائتلاف مع أحزاب أخرى، وتحريف هذه العلاقة متوقف على التفاعل بين الأحزاب، وهو مرهون بعدد الأحزاب وانقسامها بشأن القضايا التي تتنافس حولها، وللمؤسسة التشريعية دورها في تحديد احتمال حصول حزبٍ بمفرده على العائد المتوقع من القوة الانتخابية للحزب أو لا، على قدر التحريف في هذه العلاقة، وهذا يتوقف على دور المؤسسة التشريعية.

والمفترض أن تكون عوائد السياسة ومزايا السلطة التي يحصل عليها الحزب على قدر قدرته على التأثير على سياسات الحكومة، ومزايا السلطة هي المزايا التي يتمتع بها شاغل السلطة، وهناك شبه اتفاق على أن الوجود في السلطة يعد شرطًا كافيًا للحصول على عوائد السياسة والسلطة معًا، في إشارة واضحة إلى فرصة الحزب الحاكم في ذلك، والتفوق في مزايا السلطة وفي القدرة على التأثير على السياسة أدعى إلى تعظيم القدرة التنافسية للحزب المتفوق -أي الحزب الحاكم- على حساب الأحزاب الأخرى، ودور المؤسسة الحكومية يتمثل في تحويل المقاعد إلى عوائد السياسة ومزايا السلطة (المصدر السابق، ص 17).

ثالثها التنظيم الحزبي:

ويعد أحد مكونات بنية المنافسة الحزبية، حيث يلعب دورًا مهمًا في تحديد القدرة التنافسية للحزب، ويمارس التنظيم الحزبي هذا الدور من خلال:

1- خصائص التنظيم الحزبي: أي: سير العمل أو أنماط العلاقات داخل الحزب، وهناك شبه اتفاق على أن العناصر التي تشكل قدرة أي حزب على تحقيق أهدافه، هي:

أ- دوافع قيادات الأحزاب: فقادة الحزب هم المنظمون لأنشطته، والمفترض فيهم الرشد، وهم يتطلعون لما يعود عليهم من عائد متوقع من جراء تنفيذ سياسات معينة، وكلما اتسمت قيادات الحزب بالديكتاتورية أو كلما قلت القيود عليهم، زاد احتمال تبنيهم كسب الأصوات للحزب والسيطرة على المناصب العامة، وعلى العكس، كلما زادت درجة الديمقراطية داخل الحزب زاد احتمال اهتمام هؤلاء القادة بهدف التأثير على السياسة.

ب- الموارد: وتشمل رأس المال اللازم، وقوة العمل، ويميز أي حزب مدى اعتماده على إحدى هاتين الوسيلتين، ويكون الاعتماد على الوسيلتين معًا بدرجاتٍ متفاوتةٍ، وتشير التجارب إلى أن التفوق النسبي يكون للأحزاب التي تعتمد أكثر على رأس المال، فالاعتماد على رأس المال والتكنولوجيا أكثر بالنسبة لكل الأحزاب من الاعتماد على قوة العمل منخفضة التكاليف، وعلى الحزب اختيار خليط متناسب من رأس المال وقوة العمل.

ج- الناشطون في الحزب:

سواء كانوا هواة أو محترفين، وبحسب الحوافز داخل الحزب كوجود مكافآت مالية أو عوائد من السلطة والسياسة تكون نوعية الناشطين، ووجود المكافآت المالية يجعل وجود هؤلاء الناشطين أيسر، (لكن نظرًا لمحدودية الموارد المالية يفضل قادة الحزب الناشطين ذوي الدوافع الغائية أي الذين يرتفع لديهم دافع السعي إلى السلطة، وبعبارة أخرى: يفضل قادة الحزب هؤلاء الذين يمكن أن يبادلون نشاطهم وتأييدهم للحزب بالوعود المستقبلية التي يجنون ثمارها عندما يفوز الحزب، وبصفة عامة وفي حالة توافر الموارد المالية فإن هذه المكافآت وحدها لا تشبع مطالب هؤلاء، ولا بد من أن يشاركوا في عوائد السلطة والسياسة، والفارق بين مزايا السلطة وعوائد السياسة هو الذي يحدد التوازن في تركيبة الحزب من الهواة والمحترفين، بحيث كلما زادت مزايا السلطة على عوائد السياسة زادت تلقائيًّا -وبشكل نسبي- أعداد المحترفين في الحزب على الهواة" (المصدر السابق، ص 21).

د- الحوافز:

فالحزب الذي يعتمد في بنائه التنظيمي على قوة العمل يواجه مشكلة تتمثل في كيفية خلق دوافع لدى ناشطيه؛ لأن مكافأتهم مستقبلية، أي: مرتبطة بفوز الحزب، وليست آنية: بمعنى أنها لا يمكن أن تقدم لهم في نفس الوقت الذي يتطلب خدماتهم.

وقد يغري ذلك قادة الحزب بالنكوص في وعودهم فيما بعد، وإذا تولد شك في ذلك لدى الناشطين فسوف يكون أداؤهم دون المستوى، أما الحزب الذي يعتمد أكثر على رأس المال فاحتمال مواجهته لهذه المشكلة يكاد ينعدم، وفي الحالة الأولى لكي يجعل قادة الحزب وعودهم محل ثقة أو كجزءٍ مِن المكافأة فإنهم يعطون أتباعهم دورًا أكبر في اتخاذ القرار (راجع المصدر السابق، ص 18-22).

ويمكن تلخيص العلاقة بين الخصائص التنظيمية للحزب وقدرته التنافسية في أن مركزية القرارات وغياب محاسبة القيادات ونفاذية قنوات التجنيد تعظم مِن القدرة التنافسية للحزب، والعكس صحيح؛ وذلك لأن الخاصيتين الأولى والثانية تعطيان قيادات الحزب قدرة أكبر على المناورة وحرية أكبر في التصرف ومرونة في التعامل مع المواقف، أما نفاذية بنية التجنيد فتدفع بالدماء الجديدة والعناصر الأكثر كفاءة إلى ترشيحات الحزب، وتبعث الأمل في نفوس الناشطين في الوصول إلى مراكز عليا؛ مما يحملهم على بذل الجهد في أنشطة الحزب" (المصدر السابق، ص 22).

2- القوة التنظيمية للحزب: أي مدى كون الحزب مؤسسة فعالة في مجال التأثير على الجماهير، وهي تعد محصلة العناصر التنظيمية مجتمعة وترتبط مباشرة بالقدرة التنافسية للحزب (المصدر السابق، ص 23).

عملية المنافسة الحزبية: ويقصد بها (تحويل إمكانيات وموارد الحزب أي قدرته التنافسية إلى أصوات، أو مبادلة أصوات الناخبين بالبرنامج الانتخابي للحزب، وذلك من خلال اختيارات الناخبين) (المرجع السابق، ص 26).

"وتنطوي هذه العملية على مجموعة من التفاعلات بين الأحزاب، فكل حزب يتبنى إستراتيجية تمكنه من تحقيق هدفه، وتتحدد هذه الإستراتيجية على ضوء رؤية الحزب لإستراتيجيات الأحزاب الأخرى، ورؤيته لاتجاهات الناخبين، بحيث يمكن القول: إنه كلما تأثرت إستراتيجية كل حزب بإستراتيجيات الأحزاب الأخرى وبرؤية الناخب لهذه الإستراتيجية، كان ذلك أدعى إلى القول بوجود درجة عالية من التنافسية لعوامل، منها: الأول: ضمان تقديم الأحزاب لبرامج تلبي رغبات ومطالب الناخبين. والثاني: هو توسيع فرصة الناخب في الاختيار مما يؤدي إلى تعبير البرنامج الفائز أكثر عن مصالح الأغلبية، وبذلك يتحقق الهدف من الديمقراطية" (المصدر السابق، ص 26).

بنية المنافسة الحزبية في مصر قبل ثورة يناير 2011م:  

بنية المنافسة الحزبية في مصر هي مجموعة الضوابط القانونية والمؤسسية التي تكمن وراء التفاوت بين الحزب الوطني الحاكم وأحزاب المعارضة في القدرة على كسب الأصوات، ويمكن تحديد العناصر الأساسية التي عملت على إيجاد هذا التفاوت في النظام الحزبي والمؤسسات السياسية والتنظيم الحزبي، ويُلاحَظ على هذه البنية في الفترة من 1976 م إلى 1990م، وهي الفترة التي فيها استقرت هذه البنية تقريبًا:

1- وجود التناقض بين قوانين ومؤسسات النظام وبين الواقع العملي والممارسة الفعلية، والذي انعكس في شكل مخالفات دستورية وقانونية، فمن ذلك:

أ- الإعلان عن قيام الأحزاب في نوفمبر 1976م سابقًا على قانون الأحزاب الذي صدر في مايو1977م، وجاء القانون بدوره سابقًا على التعديل الذي أدخل على الدستور في شأن التعددية في مايو 1980م.

ب- مخالفة القوانين الانتخابية (من 1983م- 1990 م) للدستور من حيث الإجراءات والمضمون، ثم صدور سلسلة من القوانين الاستثنائية.

ج - ادعاء التعددية الحزبية بينما طبيعة المنافسة الفعلية صفرية بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة، فروح النظام الأحادي التي سبقت التعددية ظلت هي السائدة رغم هذه التعددية، أي سيطرة نخبة ترى الديمقراطية وسيلة لإعادة تأكيد نفوذها على العملية السياسية، (وفي هذه الحالة تنتفي الحلول الوسط ويصبح اقتسام السلطة غير وارد، ولا ترى هذه النخبة المجتمع من منظور التعدد، وتصبح هي الفاعل الوحيد الذي يمارس التعبئة على الجماهير، وقد ساعد على ذلك استمرار تركز مقاليد السلطة في مصر على طول تاريخ الحياة الحزبية في مصر في يد قوة سياسية واحدة: الوفد قبل 1952م، والتنظيم السياسي الواحد بعد 1952م" (المصدر السابق، ص 60).

د- إن وجود الحزب الحاكم في السلطة منذ نشأته وتحكم القيادة السياسية في عملية التحول الديمقراطي هو الذي شكَّل بنية المنافسة، وخلق هذا التفاوت في القدرة التنافسية بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة، وليس العكس -كما هو مفترض- أن البنية التنافسية هي التي أوجدت هذا التفاوت.

النظام الحزبي في مصر:

عانى النظام الحزبي في مصر قبل ثورة يناير من قصور واضح في أغلب النواحي، في مقدمتها: تقييد حرية تكوين الأحزاب من الناحية القانونية؛ إذ وضع القانون الأحزاب السياسية رقم: 40 لسنة 1977م عددًا من العراقيل أمام قيام أحزاب جديدة، وتشكلت بمقتضاه لجنة تكوين الأحزاب التي أعطيت صلاحيات لم تقتصر على منع أو رفض قيام أحزاب جديدة، بل جعلت لها إمكانية حل الأحزاب القائمة بالفعل، ورغم تعديل القانون أكثر من مرة إلا أن صلاحيات اللجنة لم تتغير.

يقول الكاتب صلاح سالم زرنوقة: "ويبدو من تشكيل اللجنة: أن الحزب الوطني هو المتحكم في تكوين الأحزاب ،وفي تهديد الأحزاب القائمة بالحل، وهكذا أصبحت المعارضة مهددة من جانب الحزب الحاكم؛ ليس فقط في نشاطها وإنما في وجودها أصلًا، فضلًا عن ذلك فقد أغلق الحزب الحاكم الباب أمام دخول منافسين جدد ينطوي وجودهم على قدرٍ مِن الخطورة.

واكتملت بذلك سلسلة القيود من الناحيتين القانونية والموضوعية، كذلك فإن اللجنة بما أبدته من إصرار على رفض السماح بقيام أحزاب جديدة متعللـة بعدم تمايز برامج الأحزاب التي تسعى إلى الظهور إلى حيز الوجود حيث إن عدد الطلبات التي تم رفضها كان أضعاف التي قبلت، أدَّت إلى لجوء الجماعات التي يرفض طلبها إلى القضاء.

ولما كان ليس من مهام القضاء إصدار أحكام سياسية، فقد جاءت النتائج على عكس ما تفترضه التعددية، لقد انصب اهتمام القضاء على مجرد الإجراءات الشكلية دون نظر إلى حجم الجماعة السياسية التي ترغب في إعلان وجودها الشرعي؛ مما أدَّى إلى اكتساب بعض الأحزاب شرعية الوجود دون أن تكون مؤهلة تمامًا لدخول معترك الحياة السياسية، وحجب جماعات أخرى عن الشرعية رغم أنها تعبِّر عن قوى سياسية عريضة في المجتمع، وتملك القدرة على العمل السياسي، ومِن ثَمَّ عجز النظام الحزبي القائم عن استيعاب كل الجماعات والقوى السياسية، وعن تمثيل كافة المصالح المتباينة في المجتمع" ((المنافسة الحزبية في مصر، 1976م - 1990م، ص 61 - 62 بتصرفٍ).

هذا في الوقت الذي اشترط فيه القانون شروطًا عديدة تفضي إلى إفراغ الحزب من مضمونه، وتؤدي إلى تماثل الأحزاب في برامجها؛ بسبب ضيق المساحة التي تتمايز فيها أيديولوجيًّا.

ويضيف الكاتب صلاح سالم: "مما سبق يتضح غياب الشرط الأساسي في بنية المنافسة الحزبية في عدم حرية تكوين الأحزاب أو فرض قيود على دخول السوق السياسي، وعدم تعبير الأحزاب عن كل القوى السياسية وعن كل المصالح، ثم ضعف التمايز الأيديولوجي بين الأحزاب القائمة" (المصدر السابق، ص 62). فلم يستوعب النظام بالتالي كل القوى والتيارات التي يموج بها المجتمع.

معاناة أحزاب المعارضة في مصر:

عانت أحزاب المعارضة خلال الفترة المذكورة من:

أ- الاغتراب: والمراد به الشعور بعدم جدوى العمل السياسي في مواجهة الحزب الحاكم، والاغتراب كان القاسم المشترك الأعظم بين كل أحزاب المعارضة، واتخذ شكل المعارضة المضادة للنظام بدرجاتٍ متفاوتةٍ بدءًا من الاحتجاج إلى الرفض الكلي، مارست أحزاب المعارضة ذلك "لكن بطريقة غير منتظمة وبشكل نسبي يختلف من حزب إلى آخر، ومن وقت إلى آخر، وذلك بحسب علاقات المعارضة مع الحزب الحاكم ومع الحكومة، ووفقًا لظروف كل حزب على حدة، ويتمثل الاحتجاج بشكلٍ جليٍ وظاهر في مقاطعة الانتخابات المحلية وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وبشكل أقل في الدرجة، لكن لا يقل وضوحًا عن الأول في الانسحاب من بعض جلسات مجلس الشعب في مناقشة بعض القضايا.

وبلغت موجة الاحتجاج مداها في مقاطعة انتخابات 1990م التي شملت أكبر أحزاب المعارضة: الوفد والتحالف، وجاء في بيان المقاطعة ما يشير إلى قناعة بعدم جدوى المشاركة في مسرحية الانتخابات القادمة التي تهدف إلى إضفاء مسحة من الديمقراطية على كل ما يجري في مصر بصورة تخالف الحقيقة وتجانب الواقع (المصدر السابق، ص 63).

ب- الإخفاق في التكتل: فقد أخفقت أحزاب المعارضة في الوقوف في مواجهة النظام الحاكم كما فشلت في توحيد قواها، وتقديم نفسها كبديل للنظام رغم وجود العوامل التي تحملها على هذا التماسك؛ لكونها جميعًا في خندق واحد تعاني من نفس المخاطر والصعوبات، ومن نفس الضغوط التي يمارسها الحزب الحاكم ضدها، ورغم وجود مساحة واسعة تشكل أساسًا للاتفاق بينها حول عددٍ مِن القضايا التي تتعلق بالحريات العامة وقواعد الديمقراطية (المصدر السابق، ص 65).

"ويبدو أن أحزاب المعارضة يمكن أن تتوحد طالما لم يؤدِّ هذا التوحد إلى حرمان الحزب من فرصة الفوز بعددٍ مِن مقاعد مجلس الشعب ولو كان قليلًا، وعندما يصل الأمر إلى التضحية بمثل هذه الفرصة، فإن شق عصا الوحدة أيسر على الحزب من تفويتها" (المصدر السابق، ص 66).

وساعدت على ذلك عوامل، منها:

- دور الحكومة بالترهيب والترغيب بالعصا والجزرة، بالتقرب إلى قطبي المعارضة -الوفد والتجمع- تارة، وبإصدار التشريعات لاحتواء أو تمزيق المعارضة كتجريم ومنع الترشح على قائمة حزب آخر.

- حرص حزب الوفد -بالتبادل مع حزب العمل-، وكذلك حزب التجمع على تقديم كل واحد منهما نفسه كبديل مستقل للنظام القائم.

- الخلافات العقائدية، بل والشخصية بين هذه الأحزاب، والتي كانت تحتل المساحة الأكبر في مجالات العلاقات بينها، المشروع الخاص لكل حزب.

- انعدام الثقة بين أحزاب المعارضة.

ولكن المعارضة كانت أحيانًا أقرب إلى التوحد داخل مجلس الشعب باعتباره أهم ميادين المواجهة مع الحكومة.

ج - المزايدة وعدم المصداقية: والمقصود بها: تقديم المعارضة في حملاتها وعودًا غير قابلة للتنفيذ أو يصعب تحقيقها عمليًّا، مما يفقدها الأمل في الحصول على الأغلبية.

ظاهرة الأغلبية الصامتة: هي ظاهرة امتناع عددٍ كبيرٍ مِن الناخبين في كل الانتخابات عن التصويت، وبنسبة كبيرة زادت عن 50 % من جملة المقيدين الجداول الانتخابية، ويمكن تفسير امتناع عددٍ كبيرٍ منهم جزئيًّا؛ بسبب رؤيتهم لعدم جدوى الانتخابات كوسيلة للتغيير، فنتائج الانتخابات معروفة مسبقًا "وبالتالي: فإن هذا الامتناع يعد نوعًا من المشاركة أو تعبير عن موقف احتجاجي، وأن قسمًا كبيرًا منهم من أنصار التغيير" (المصدر السابق، ص 81).   

المؤسسات السياسية في مصر:  

وتشمل المؤسستين: الانتخابية والحكومية بتأثيريهما المباشر على سلوك الأحزاب حيث لا تملك أحزاب المعارضة القدرة على تحاشي أو تعديل أو تخفيف هذا التأثير، بينما لا يمكن فصل الحزب الحاكم تنظيميًّا وسلوكيًّا عن هاتين المؤسستين.

فالمؤسسة الانتخابية هي التي تحدد طبيعة العلاقة بين نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب وعدد المقاعد التي يحصل عليها، حيث مارست المؤسسة الانتخابية في مصر درجة كبيرة من التحريف في هذه العلاقة من خلال تشريع القوانين الانتخابية، والتلاعب في تقسيم الدوائر، ومن خلال اختيار نظام الانتخاب الفردي أو القائمة أو التمثيل النسبي، ومن خلال اشتراط ضرورة حصول الحزب على 8 % من الأصوات الصحيحة على مستوى الجمهورية لدخول البرلمان، "لا سيما وأن أحزاب المعارضة ليس بمقدورها اجتياز هذه النسبة، وهي أعلى نسبة عرفتها النظم الانتخابية على مستوى العالم" (المصدر السابق، ص 95)، بل وضم أصوات الأحزاب التي لم تحرز هذه النسبة إلى الحزب الذي حصل على أكبر قدرٍ مِن الأصوات.

والمؤسسة الحكومية يتحدد دورها من خلال ما تحققه من تمايز أو تفاوت بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في عوائد السلطة وفي التأثير على السياسة، من خلال الإعداد الفني لخطط الدولة وما يتم من إجراءات سياسية وأدوار تشريعية ورقابية على الحكومة داخل مجلس الشعب، ويدخل في عوائد السلطة ممارسة الحزب الحاكم للسلطة واكتسابه رصيد من الخبرة فيها في نظر الناخبين، وتقديم الحزب الحاكم للخدمات عن طريق مرافق وأجهزة الدولة في مقابل الحصول على الأصوات، والقدرة على حشد وتعبئة الناخبين بذلك خاصة في الريف والصعيد، والانفراد بوضع القوانين الانتخابية وتقسيم الدوائر بما يعطل المعارضة، وبإدارة العملية الانتخابية أو التأثير عليها بالتزوير في صفات المرشحين وإصدار البطاقات الانتخابية المزورة، وإشراف موظفي الحكومة على الانتخابات.

التنظيم الحزبي في مصر:

ويقصد بالتنظيم الحزبي ما للحزب من قيود على سلوك قيادات الحزب أو ما يوفره لها من فرص، ويحتاج الحكم على ذلك إلى فترة زمنية طويلة تسمح بتقديم صورة واضحة للعلاقة بين الخصائص الهيكلية والتنظيمية للحزب ولأهدافه، مع مراعاة دور العوامل الشخصية والاعتبارات الخارجية في تحديد القدرة التنافسية للحزب، وهي أمور تجعل الحكم على التنظيم الحزبي لأي حزب أمرًا يحتاج لجهد ودراسة طويلة متأنية.  

ومن أهم خصائص التنظيم الحزبي درجة مركزية القرارات، ودرجة المحاسبة للقيادات، ودرجة نفاذية قنوات التجنيد (راجع المصدر السابق، ص118-129).

وللاستزادة راجع: (الديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية المصرية، وحيد عبد المجيد رسالة دكتوراه - جامعة القاهرة - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، منشورة عام 1993م).

عملية المنافسة الحزبية في مصر:

وتعني تحويل إمكانيات وموارد الأحزاب إلى أصوات، أو مبادلة برامج مطروحة أو خدمات بأصوات الناخبين، وتنطوي على تفاعل الأحزاب فيما بينها، وتفاعلها مع الناخبين.

ويفسر التفاوت في القدرة التنافسية بين الحزب الوطني وبين وأحزاب المعارضة غياب تداول السلطة في الفترة المذكورة، حيث إن الحزب الوطني كان له من خلال مرشحيه وقدراته الإدارية والمالية والفنية الضخمة والمتداخلة مع أجهزة الدولة ما لا تملكه الأحزاب الأخرى، كما يُلاحَظ وجود درجة من الانفصال بين موقف الناخب من القضايا واتجاهات التصويت، فموقف الناخب أمام صندوق الانتخابات لحظة الإدلاء بصوته قد يختلف أحيانًا عن موقفه العام، وهذا يعني أن جزءًا كبيرًا من عملية المنافسة يتم داخل اللجان الانتخابية أكثر منه في ميدان الدعاية الانتخابية (المنافسة الحزبية في مصر، ص 232).