الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 18 أبريل 2019 - 13 شعبان 1440هـ

التبيان في فضائل ليلة النصف من شعبان

كتبه/ صلاح عبد المعبود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ورد في فضل هذه الليلة أحاديث رواها أصحاب السنن كالترمذي وابن ماجه وأحمد، وهي أحاديث ضعاف باتفاق أهل العلم، وقد قوى بعضهم بعض هذه الأحاديث بشواهدها، وممَن حسن هذه الأحاديث بشواهدها العلامة الألباني -رحمه الله- حيث علَّق على حديث ابن ماجه: (إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) فقال: "حديث حسن".

وعلى فرض صحة هذه الأحاديث؛ فليس فيها سوى أن الله -تعالى- ينزل إلى السماء الدنيا فيغفر لعددٍ كبيرٍ مِن خلقه "عدا المشرك والمشاحن"؛ فعليك أخي المسلم بتحقيق التوحيد لله والابتعاد عن كل مظاهر وأفعال وأقوال وعقائد الشرك، وكذا عليك ترك الخصومات والشحناء بينك وبين المسلمين كي تنال هذا الفضل العظيم وتحصل على مغفرة رب العالمين.

والعجيب: أن أهل البدع يتعلقون بمثل هذه الأحاديث فيؤصلون بدعهم كإحداث تخصيص صيام نصف شعبان وقيام ليلته، وينسون أن التنزيل الإلهي إلى السماء الدنيا يكون في كل ليلة كما في الحديث الصحيح: (نْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) (متفق عليه)، فهو -سبحانه وتعالى- ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وكماله -سبحانه وتعالى-.

والأعجب مِن ذلك: أن هناك مِن الصوفية المنحرفة الضالة مَن يعتقد أن الأقطاب الأربعة: "البدوي والدسوقي والرفاعي والجيلاني" يجتمعون في هذه الليلة عند باب زويلة مع رئيس ديوان السيدة زينب لتحديد أرزاق العباد في السنة القادمة! بل إنهم يقولون في هذه الليلة كلامًا ما قيل في فضل ليلة القدر؛ فهم يعتقدون أن في هذه الليلة تُحدد الآجال والأعمار والأرزاق!

ومنهم مَن يعتقد أن القرآن أُنزل في ليلة النصف من شعبان، وأنها الليلة المباركة المقصودة في قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان:3)، وهذا اعتقاد باطل.

قال العلامة أبو بكر بن العربي: "جمهور العلماء على أنها ليلة القدر، ومنهم مَن قال: إنها ليلة النصف من شعبان، وهو باطل؛ لأن الله -تعالى- قال في كتابه الصادق القاطع: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة:185)، فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عبَّر عن وقتية الليل هنا فقال: (فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)".

أي أن ابتداء نزوله على النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في رمضان في تلك الليلة المباركة التي سمَّاها الله ليلة القدر، والتي أخبر الله -تعالى- أنها خير مِن ألف شهر، وأنه فيها يفرق كل أمر حكيم؛ فماذا قال -سبحانه- عن ليلة النصف؟!

ولم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه تحرى قيام ليلتها أو صيام نهارها لذاتها، وإنما يوم الخامس عشر يصام مع الثالث عشر والرابع عشر من كل شهر عربي، فمن صام أيام البيض فقد أحسن، وأما مَن خصص يوم الخامس عشر فقط؛ فهذا مِن البدع، وأما حديث: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها"؛ فهو حديث ضعيف جدًّا أو موضوع كما قال العلامة الألباني.

كذلك مما ينبغي التنبيه له وتحذير الناس منه أن الكثير مِن الناس؛ خاصة الهيئات الرسمية يحتفلون في تلك الليلة بمناسبة تحويل القبلة من المسجد الأقصى بالقدس المبارك إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، وهذا خطأ مزدوج فإنه وإن صح أن تحويل القبلة حدث في تلك الليلة فلم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتفل بتلك المناسبة أو بغيرها مِن المناسبات، مثل: "الإسراء والمعرج والهجرة - ... "، فما بالنا إذا كان تحديد تحويل القبلة في تلك الليلة لم يثبت بدليلٍ صحيحٍ، بل قد رجح العلامة ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- أن تحويل القبلة كان في شهر رجب.

والله مِن وراء القصد.