الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 11 أبريل 2019 - 6 شعبان 1440هـ

بكم أشتري قلبًا حيًّا؟! وأين أجده؟!

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف:36-37).

في ظل الصراع المادي والطغيان التقني، والشتات الفكري، والفراغ العمري، وانعدام الطرح الإعلامي الهداف، وغياب القدوة الحسنة والتدهور الخلقي، ومحاولات طمس ملامح الشباب المسلم باللعب على أوتار الشهوات، وتوسيع مفاهيم نقد الواقع، وفتح باب الحريات، ونبذ جميل العادات وخروجهم عن المألوف تحت أي مسميات، والتي جعلته يرفض كل قيد ويصد كل نصيحة، ويعارض كل فكرة لا تتفق مع هواه وينبذ كل قديم!

هذا كله وغيره -وبكل أسف- في شبابنا إلا مَن رحم ربي؛ فكانت النتيجة الطبيعية: (مات القلب)، وعاش حيرانًا متحيرًا؛ ينبض أحيانًا ويموت أحايين، ويبحث عن سعادة ولو لحظية، وعن شهوة ولو في الحرام، وطلب الأنس فعوقب بالوحشة، وبحث عن الراحة في غير طريق ربه؛ فتراكمت عليه الهموم، وتوالت عليه الأحزان، وتفاقمت عليه المصائب والبلايا فظل تائهًا لم يحدد له هدفًا ولم يبقَ له غاية، وانهالت عليه جبال الفتن، وغرق في بحار الشهوات التي كان يرمقها مِن بعيد حتى اسود القلب وضل الطريق، وضاقت أنفاسه بما حوله.

عن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) (رواه مسلم).

وعن منذر قال: "جاء ناس مِن الدهاقين إلى عبد الله بن مسعود، فتعجب الناس مِن غلظ رقابهم، وصحتهم؛ قال: فقال عبد الله: إنكم ترون الكافر مِن أصح الناس جسمًا، وأمرضهم قلبًا؛ وتلقون المؤمن مِن أصح الناس قلبًا، وأمرضهم جسمًا؛ وايم الله، لو مرضت قلوبكم، وصحت أجسامكم؛ لكنتم أهون على الله مِن الجعلان" (حلية الأولياء، 1/ 135).

وها هو الآن ذاك القلب الأسود يصرخ ويبحث عن بديل بقلب حي يدفع به الآلام والأوجاع وحياة الكدر.

وعن مالك بن دينار قال: "إن لله عقوبات في القلوب والأبدان: ضنك في المعيشة، ووهن في العبادة؛ وما ضرب عبد بعقوبة أعظم مِن قسوة القلب" (حلية الأولياء، 6/ 287).

فهل يا ترى يجد القلب في طريقه هذا؟!

أم الحقيقة أنه لابد له من عودة على أعتاب العبودية لله -تعالى-، والتذلل على بابه والانكسار بين يديه، وبذل الجهد والطاقة في طاعته، وربط القلب بكتابه، وأن يستنير بنوره ويحيا بهداه؟!

ولزوم السُّنة والثبات عليها، وهجر البدع والمنكرات، والحرص على طلب العلم والتخلق بكريم الصفات وعظيم الأخلاق؛ فلعل الله يمنّ علينا؛ وعليه فيجد القلب حلاوته، وينبض مِن جديد، وتعرف السعادة طريقنا فينشرح الصدر ويهنأ الخاطر، وتقر العيون في الدنيا والآخرة، وساعتها لن نبيع أنا ولا أنت القلب، ولو أعطينا خزائن الدنيا وزخارفها وحليها!

قال ابن القيم -رحمه الله-: "في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه، وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا" (مدارج السالكين).

فأسأل الله أن يرزقنا قلبًا سليمًا ثابتًا على الحق، لا يضره شيء ولا تأخذه فتنة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.