الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 06 مارس 2019 - 29 جمادى الثانية 1440هـ

الفساد (3)

مِن أنواع الفساد (ب)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ثالثًا: الفساد القضائي:

وهو طامة كبرى، بل وعلامة ظاهرة على تفشي الفساد في المجتمع، إذ القضاء أقوى ما يعول عليه أفراد المجتمع في حفظ الحقوق ورفع المظالم والقضاء على الفساد.

وفساد القضاء قد يكون بإصدار تشريعات تسمح بتغلغل الفساد في المجتمع لمصالح فئة أو فئات دون غيرها، فيحكم القضاة بمقتضاها، أو بفساد بعض القضاة أو عدم كفاءتهم -إذ القضاة شريحة كغيرها مِن شرائح المجتمع قد يعتري بعض أفرادها الفساد- في غياب تطهير تلك الشريحة مِن داخلها، أو بفسادٍ يتعلق بالإجراءات الطويلة وخطوات الإعلان، وبطء البت في القضايا لسنواتٍ، ونحو ذلك.

ومِن أكبر مصادر الفساد في القضاء:

- تطبيق قوانين وتشريعات تخالف الشريعة الإسلامية التي يجب أن تكون هي المرجع للتشريع في الدول الإسلامية، وكل ما يخالفها فهو ظلم وفساد، قال -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة:47)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة:45).

- عدم المساواة بيْن الجميع أمام القوانين السارية في المجتمع، فيتمكن أصحاب النفوذ والمال مِن الإفلات مِن العقوبات التي يستحقونها أو تخفيفها عند وقوعهم تحت طائلة القانون، بينما تطبق القوانين بصرامتها المعهودة على غيرهم، خاصة مع المعارضين من الخصوم السياسيين.

ومِن مظاهر وجود فساد قضائي وغياب الدور المطلوب مِن القضاء والرقابة الإدارية في المجتمع:

- انتشار الرشاوى، ولا يخفى دورها في إضاعة الحقوق.

- انتشار الواسطة والمحسوبية، ولا يخفى دورها في تولي الأمور مَن ليس لها بكفءٍ، وتأثر الدولة سلبًا بتولي فاقدي الكفاءة، وفي المقابل حجب أصحاب الكفاءات عن تولي المناصب التي يستحقونها، والتي في توليهم لها صلاح المجتمع وتقدمه.

- ترك التوثيق والتساهل في الإشهاد، بل وانتشار شهادات الزور، ولا يخفى ما يسببه ذلك مِن هضم لحقوق وقلب لحقائق وجلب للكثير مِن المنازعات والخصومات.

رابعًا: الفساد الاقتصادي:

هو كالوعاء الذي تذوب فيه بقية أنواع الفساد الأخرى وتتغلغل فيه، حيث يقوم على اتخاذ المال كوسيلة غير مشروعة للضغط والحصول على مصالح مادية ومنافع غير مستحقة لمقدم هذا المال، فهو عمل مناف للأخلاق والقيم في المجتمع، يقوم على التعامل بيْن الناس بما يحقق المصالح المادية والمنافع الشخصية على حساب المصلحة العامة وبذل المال لمَن يستحقه لنوال ذلك بكيفية غير شرعية.

ومِن مظاهر الفساد الاقتصادي:

تكدس الثروات في أيدي قلةٍ أو فئةٍ على حساب بقية المجتمع؛ إذ الغالب في تضخم ثروات الأفراد بصورة غير طبيعية أو في فترات قصيرة أنها علامة على الفساد، خاصة في غياب المراقبة والمساءلة والمحاسبة مِن الأجهزة المعنية بذلك، والتي لها القدرة والصلاحية على التعرف والتحقق مِن مصدر الثروات المكدسة، وكيفية الحصول عليها، ومدى أداء ما يتعلق بها مِن حقوق الدولة والمجتمع.

- غياب الأمانة وافتقاد الوفاء بالمواثيق والعهود، وانعدام الصدق في المعاملات والعقود المالية، وتفشي الغش والرشاوى والسرقات، واستغلال ظروف الناس ومعاناتهم في احتكار السلع والخدمات بما يحقق الربح الفاحش، ومرد ذلك إلى الجشع والطمع والمبالغة في حب المال والرغبة الجامحة في جمعه وتحصيله بكل السبل والإكثار مِن التملك، مع انعدام الثقة بيْن الناس، وهي آفات اجتماعية وأخلاقية تؤدي إلى المزيد مِن الخلل في العلاقات الاجتماعية وأخلاقيات المجتمع إلى جانب المفاسد الاقتصادية.

- انتشار المعاملات الربوية بأضرارها السلبية الخطيرة على المجتمع والأفراد، والربا مظهر مِن مظاهر الفساد المالي، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) (البقرة:275)، وقال -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:276)، على ما فيه مِن محاربة لله -تعالى-.

- أكل حقوق الآخرين بإنكارها أو هضمها، وبخس الناس أشياءهم والانتقاص مِن قيمتها، وأخذ الأموال بالباطل، وضياع حقوق الضعفاء واليتامى، واستحلال الأموال العامة بالاختلاسات والسرقات.

- كثرة الاستهلاك والإنفاق على الكماليات بإسرافٍ وتبذيرٍ، وقلة العمل والإنتاج.

- انتشار الاتجار في المحرمات والممنوعات، وفي مقدماتها المخدرات والمسكرات رغم آثارها المدمرة على المجتمع؛ خاصة على الشباب.

ومما يساعد على تفشي الفساد الاقتصادي في المجتمع:

- الأوضاع الاجتماعية السيئة نتيجة انتشار الفقر وتفشي الجهل وارتفاع نسب البطالة، إلى جانب ازدياد التفاوت الطبقي داخل المجتمع؛ فهذه الظروف تؤثِّر سلبًا وبدرجةٍ كبيرة على طبيعة وطرق المعاملات بيْن أفراد المجتمع.

- المبالغة في إطلاق الحريات وإطلاق التملك بلا قيود، والاحتكار بلا حدود، وبدرجةٍ تؤدي حتمًا إلى التجاوز والاعتداء على حقوق الآخرين.

خامسًا: الفساد الاجتماعي والأخلاقي:  

كما أن الخلل الاجتماعي والأخلاقي مِن أسباب ظهور أنواع مِن الفساد في المجتمع، فإن الفساد بأنواعه يزيد ويعمِّق مِن الخلل الاجتماعي والأخلاقي في المجتمع، وهذا النوع مِن الفساد يبدأ بصورٍ فرديةٍ تتعلق بالأفراد، لكنه مع انتشاره سرعان ما يسري في المجتمع ككل، مسببًا خللًا في القيم الاجتماعية والأخلاقية يعاني منها المجتمع، وينعكس أثرها على علاقات أفراد المجتمع مع بعضهم البعض خارج -بل وداخل- الأسر والعائلات.

إن مرتكبي أنواع الفساد المختلفة لتحقيق مصالحهم الشخصية لا يلتفتون إلا ما يحدثه فسادهم مِن تغيرات اجتماعية سلبية وانحرافات أخلاقية هذا مِن جهة، وهناك مِن جهة أخرى مِن أصحاب التوجهات مَن يسعى إلى العبث بقيم المجتمع وأخلاقياته ترويجًا لتوجهه الذي لا يتفق ولا يتوافق مع قيم المجتمع وأخلاقياته الثابتة المستمدة مِن دين الأمة وتاريخها وهويتها، ومنهم مَن هو موجه ومدعم خارجيًّا لإحداث التغيرات المطلوبة في بنية المجتمع الاجتماعية والأخلاقية باسم الحريات المطلقة والليبرالية، وتحرير المرأة، وحقوق الإنسان، وهي دعوات مرتبطة بالفهم الغربي لها، وهو فهم مستمد مِن قيم ومفاهيم الغرب المادية العلمانية، ومِن صورها: الإلحاد، ومستمدة مما تبقى عند الغرب مِن القيم والمفاهيم التي يُطلق عليها: (القيم المسيحية)، وهي قيم مستمدة مِن النصرانية المحرفة والتي تخالف قيمنا المستمدة مِن الإسلام، وهي بالتالي محرومة مِن محاسن الشريعة الإسلامية الاجتماعية والأخلاقية، والتي ينتهي الأمر بمَن حُرم منها إلى الوصول إلى هذه الظواهر الاجتماعية والأخلاقية والتي تُعد مِن المفاسد اصطلاحًا؛ إذ تخرج عن الصالح العام للمجتمع وإصلاحه لتحقيق توجهات أو أجندات خاصة لأصحابها لإبعاده عن هذا الصلاح.

ومِن مظاهر تلك المفاسد الاجتماعية والأخلاقية:

1- الترويج للعري والعنف والمخدرات والتدخين، والتردي الأخلاقي، وتشويه صورة الشعب المصري عامة -والمرأة المصرية خاصة- باسم الفن؛ خاصة في الفنون التي تجذب الشباب مِن الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، بما فيها المسلسلات والعروض التي تُقدَّم في شهر رمضان، بصورةٍ أزعجت وأثارت استهجان واستياء الكثيرين مِن المختصين والمهتمين بهذه الفنون، ومِن أربابها أنفسهم قبْل علماء الأمة ومصلحيها ومفكريها، والعقلاء فيها.  

2- انتشار موجة العري والتوسع في الرقص العاري داخل الأغاني والكليبات والإعلانات المرئية انتشارًا لافتًا للنظر والانتباه، وهي الموجة التي امتدت إلى المهرجانات الفنية الرسمية التي تنظمها الدولة وتعبِّر عن مستوى الفن فيها.

3- الغناء الهابط جدًّا وانتشار الألفاظ السيئة للغاية إلى حدِّ السباب داخل الأعمال الفنية المختلفة، وصنع القدوة السيئة للشباب مِن خلالها، والتي سرعان ما تسري بيْن الشباب سريان النار في الهشيم، وتنذر بانحطاطٍ أخلاقيٍ غير مسبوق تتجه إليه الأمة.

4- انتشار الصحف والمجلات الصفراء وجرائد الحوادث التي تقوم على نشر الأحداث المثيرة، وتسليط الضوء وبشدة على الجرائم المشوِّهة للمجتمع فتروج للرذيلة، ورغم وجود الأجهزة المنظمة لها ولمراقبتها وإصدار التقارير حول مخالفاتها فهي لا تتخذ الإجراءات العملية المطلوبة والكافية للحدِّ مِن تجاوزات هذه الصحف والمجلات اكتفاء بكتابة التقارير عنها والمخالفات الواقعة منها.

5- انتشار العادات السيئة مِن التعاطي وانتشار الجرائم في كل صورها المختلفة حتى داخل الأسرة الواحدة.

6- تفشي ظاهرة الغش الفردي والجماعي في امتحانات السنوات الدراسية المختلفة بما فيها الشهادات العامة وبالآلاف، في غياب الرقابة الجادة داخل اللجان أو بتغاضيها، بل ربما بإقرارها، بل امتدت هذه الظاهرة لتشمل كذلك طلبة الأزهر! بل طال هذا الفساد مسؤولين في التعليم ليشمل تسريب امتحانات شهادة الثانوية العامة بشعبها العلمية والأدبية قبْل بدايتها بأيام، بل وتعميم البعض لهذا التسريب بتسريبه علنًا على مستوى الجمهورية على مواقع الاتصال الاجتماعي قبْل بداية الامتحانات بساعاتٍ أو دقائق عديدة في تحدٍّ غير مسبوق مسببًا مشكلة كبيرة لكبار المسؤولين في وزارة التربية والتعليم لا يعرف مثيلها في دولةٍ بوضع مصر ومكانتها، وامتد الأمر لعدة سنواتٍ متتاليةٍ، تندر بها الجميع، وشر البلية -كما يقولون- ما يضحك!

7- تفشي ظاهرة التحرش الفردي والجماعي بالقول وبالفعل بالفتيات والنساء تفشيًا غير مسبوق مِن قبْل بدرجةٍ ملفتةٍ للنظر.

سادسًا: الفساد الفكري والثقافي:

وهو مِن أخطر أنواع الفساد على الأمة، إذ يمضي في خفة ونعومة لا ينتبه إليه إلا القليلون، ويصعب ملاحقة مرتكبيه ومتابعتهم، بل وربما يصعب كذلك تقديمهم للمحاكمة، والفساد الفكري يكون بكل ما يخرج الأمة عن ثوابتها ويعمل على تفكيك هويتها ويخل بقيمها، ويقوم به كثيرون مِن أصحاب الفكر والتوجهات المخالفة لثوابت الأمة وهويتها، ومِن أصحاب التوجهات والأجندات الخارجية، وغالبيتهم ممَن يحظون بتمويلات سرية ودعم مالي ومعنوي ييسر لهم نشر فكرهم وتوجهاتهم وتزيينها للناس بطرقٍ ووسائل متعددة مِن إعلام مرئي ومسموع ومقروء، وهي تَلقى رواجًا بيْن الشباب والبسطاء مِن الناس في غياب -أو ضعف- دور أصحاب الفكر الصحيح مِن المثقفين والمتعلمين والتربويين، وحراس الأخلاق والقيم في المجتمع.

ومِن أمثلة الفساد الفكري والثقافي:

1- تغيير المناهج التعليمية بما يقطع الصلة بيْن الأمة ودينها وتاريخها وقيمها، بحيث تكون هذه المناهج معبِّرة عن فكر وثقافة وقيم أمة أخرى غير أمتنا الإسلامية، ويظهر ذلك -وبوضوح- في المناهج التي تضعها وتشرف عليها المدارس الأجنبية والجامعات الأجنبية الخاصة، في صورٍ مِن ازدواجية التعليم داخل الأمة لا تعرف في غيرها مِن الأمم.

2- خلط أهداف ومناهج التربية في الأمة بأهداف ومناهج التربية الغربية، وهي مناهج تنطلق مِن قيم ماديةٍ وعلمانية ومفاهيم قائمة على تصور معاداة الدين -أي دين- للعلم، وهو إرث غربي تشربت به أوروبا بعد الصراع الذي عاشته في القرون الوسطي بيْن النصرانية المحرفة متمثلة في الكنيسة وبين العلماء الممثلين للتقدم العلمي وقتها، أما نحن -المسلمين- فلم نعرف خلال تاريخنا الطويل مثل هذا الصراع، بل قامت الحضارة الإسلامية التي قادت البشرية لقرونٍ طويلةٍ على الموقف الإيجابي للإسلام مِن العلم والتقدم العلمي، والذي ساهم بقوةٍ في تقدم الأمة الإسلامية في كل العلوم وقيادة البشرية.

3- تسرب الروح الانهزامية في الأمة، وفقد روح وحماسة البذل والعطاء؛ مما يزيد مِن الفجوة بيننا وبين التقدم العلمي الغربي.

4- تبني بعض الإعلاميين وبعض وسائل الإعلام فتح أبواب المناقشة والحوار -بل والقيام باستبيانات شعبية- حول أمور هي مِن مسلَّمات وثوابت الأمة ودينها، والواجب تثبيت هذه الثوابت والمبادئ والقيم في المجتمع المرتبطة بمسلَّمات دينها ومقومات هويتها وخصائصها، وتنشئة الأجيال عليها؛ لا تشكيكهم فيها تمهيدًا لتغريب هذه الأجيال، وصبغها بقيم ومفاهيم غربية تخالفها، وهو ما أسفر عن فتح باب انتشار الميل للشهوات والعري، والفحش والتحرش، والخمول والتراخي، وعدم الجدية في الحياة، بما يهدد بفقد الأمة لهويتها وخصوصياتها، وبالتالي انهيارها وضياعها أخلاقيًّا واجتماعيًّا، وهو الهدف غير الظاهر للأيدي التي تعمل في الخفاء.

- ومِن ألوان الفساد الفكري والثقافي: انتشار الخرافات والخزعبلات والمعتقدات الشركية باسم الدين خاصة عند المتصوفة مِن جهة، والغلو والتشدد في الفكر والاعتقاد بعيدًا عن وسطية واعتدال وتسامح الإسلام بيْن قطاعٍ مِن الشباب لم يجد مَن يعلمه صحيح الدين، ويوجهه التوجيه السليم عند التعمق في الدين مِن جهةٍ أخرى.

وهذا اللون مِن الفساد له انعكاساته السلبية على مَن تشبع به في تعاملاته وأقواله، وأخلاقه وسلوكه؛ فضلًا عن معتقداته وعباداته، وأسلوب حياته الخاصة والعائلية.

خطورة فقد الممانعة الاجتماعية:

يظهر الفساد الفكري والثقافي والاجتماعي والأخلاقي، وينتشر مع غياب أو نقص ما يسمَّى: بـ"الممانعة المجتمعية". والممانعة المجتمعية هي حائط الصد الذي يقوم بالحفاظ على الثوابت الدينية والاجتماعية والأخلاقية المستمدة مِن مسلمات وقيم ومبادئ الأمة التي تمثِّل هويتها وخصائصها التي ميزتها عبْر تاريخها الطويل، وعدم ذوبان الأمة في غيرها مِن الأمة باسم التقدم والتطوير والحداثة، ولا ارتباط بيْن التقدم العلمي بها إلا في أذهان مَن يقدِّمونها لنا، وضعف هذه المناعة أو فقدها هو الباب لتغير المجتمع وتواجد التناقض والاختلاف بيْن هوية الأمة الحقيقة وواقعها التي تعيشه، وكلما كثرت مظاهر هذا التغير في المجتمع زاد انحرافه عن الصورة المثلى التي يجب أن يكون عليها.

وزيادة هذه الممانعة في مواجهة هذا التغيير يتطلب:

تعريف الناس على اختلاف فئاتهم وتنوعها بدينهم وثوابته، وبقيم مجتمعهم ومقوماته، مِن خلال علماء الأمة ودعاتها ومفكريها ومثقفيها، والمصلحين المخلصين فيها الذين تقع على كاهلهم هذه المسؤولية الخطيرة، وينبغي على الدولة أن تساعدهم في تحقيق ذلك؛ لا أن تضيق عليهم أو تحول بينهم وبينها.

تحصين الشباب مِن خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ضد تيارات الغزو الفكري المنتشرة والتي تروج لأهدافها بطوفانٍ مِن وسائل ترويج متنوعة تستخدم أسلحة الشبهات والشهوات في مواجهة كم كبيرٍ مِن الشباب يتعرض لها بدون حمايةٍ أو وقايةٍ (للاستزادة: راجع كتاب "الممانعة الاجتماعية"، د. محمد السعيدي).

سابعًا: الفساد البيئي:  

هو فساد يقوم به الإنسان يؤثِّر على موارد البيئة ويهددها بما يفقدها أو يقلل مِن وظيفتها الإيجابية للبشرية؛ فهو فساد يهدد الجنس البشري وسائر الكائنات، في مقابل تحقيق منافع ومصالح شخصية.

مِن صور هذا الفساد البيئي:

- تلويث مياه النيل وفروعه بمخلَّفات المصانع والشركات الحكومية والخاصة مِن كيماويات، ومواد ضارة تؤثِّر على استخدامات الإنسان للمياه في الشرب والزراعة.

- تلويث الهواء الجوي بمخلَّفات الشركات والمصانع التي تبثها في الهواء مباشرة، وتؤثِّر بشدة على الإنسان والكائنات الموجودة في بيئتها.

- التخلص مِن الكثير مِن المواد الضارة ومخلَّفاتٍ مِن الصرف الصحي في مياه البحر والبحيرات؛ مما يلوثها ويؤثِّر على الثروة السمكية والكائنات التي تعيش فيها، ويمتد بالتالي ضررها إلى الإنسان.

- الإسراف في استعمال -أو إساءة استخدام- المبيدات الكيماوية والأسمدة في الزراعة بصورةٍ كان ممَن الممكن التحكم فيها، وتجنب أضرارها وتأثيرها على المحاصيل الزراعية، وسائر المزروعات الأخرى والنباتات، والتي يمتد ضررها إلى الإنسان وما يربيه مِن ماشيةٍ وحيواناتٍ عن طريق التناول أو التعامل مع هذه المنتجات الزراعية.

وهذه الصور مِن الفساد البيئي داخلة في عموم قوله -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)، وقوله -تعالى-: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:205).