الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 14 يناير 2019 - 8 جمادى الأولى 1440هـ

موقف القوى الإقليمية والدولية مِن المصالحة الفلسطينية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتتطلع الأنظار وتنعقد الآمال مِن وقتٍ لآخر بنتائج المفاوضات بيْن فتح وحماس برعاية مصرية ترمي إلى المصالحة الفلسطينية، وبالتالي ازدياد إمكانية إحياء المفاوضات المتوقفة بيْن إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وكلما أعلن عن قرب تحقق هذه المصالحة، تتباين المواقف المعلنة مِن مختلف القوى في منطقتنا وفي العالم ككل، وهو ما سنحاول أن نلقي عليه الضوء في هذه العجالة.

الموقف المصري مِن المصالحة:

نجحت مصر في تحريك المشهد الفلسطيني مِن خلال دفع الجانبين حماس وفتح قدمًا للأمام وفق اتفاق القاهرة في عام 2011م، والذي يعد المرجعية لمجمل التحرك الفلسطيني نحو المصالحة.

ومِن هنا قامتْ القاهرة مِن خلال الحضور المكثف والجهود المتتالية للتقدم الجاد في مسار المصالحة، والتي لم تقصرها على فتح وحماس، ولكن شملت الفصائل الفلسطينية الأخرى، بل امتدت لدفع المسارات الإقليمية والدولية لتحريك القضية الفلسطينية، ومنها دفع الجانب الأمريكي للقيام بدورٍ في استئناف عملية السلام.

ومما لا يخفى على أحدٍ أن النظام المصري يضع الأمن القومي المصري في مقدمة أولوياته خلال دوره تجاه الملف الفلسطيني، وضرورة تأمين جبهة الحدود الفلسطينية المصرية، مع الاستمرار في تحسين الأوضاع السياسية الفلسطينية مِن خلال التحاور مع سائر الأطراف الفلسطينية، والسعي لوضع نهاية للصراع المحتدم بيْن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة.

إشكاليات تعامل مصر مع حماس:

1- انتماء حماس العضوي منذ نشأتها لجماعة الإخوان المسلمين، وارتباطها بتنظيم الإخوان الدولي، حيث ضم مجلس شورى حماس السابق أعضاءً مِن الإخوان المسلمين مِن مصر، ومعلوم أن الإخوان المسلمين قد تصدروا جبهة المعارضة خلال العقود الأخيرة في مصر، ونجحوا في عهد مبارك في الوصول لمقاعد المعارضة في مجلس الشعب، بل وتصدروا المشهد السياسي بعد الإطاحة بنظام مبارك بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011م، ثم كان التحول الدراماتيكي للمشهد بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي.

فلا شك أن هناك توجسًا وتربصًا قديمًا -وحاليًّا- بيْن نظام الحكم في مصر وجماعة الإخوان المسلمين، يؤثر قطعًا على تعامل مصر مع حماس؛ إذ هي جزء مِن الجماعة يمكن اتهامه في أي وقتٍ بالعمل لحسابها، ويزيد الأمر خطورة أن حماس لها ذراع عسكري، وميليشيات مسلحة ومدربة، كما يوجد في قطاع غزة التي تسيطر عليه حماس المئات مِن المنتمين للتيارات السلفية الجهادية، والتي زاد نشاطها في شمال سيناء -الملاصق لغزة- في ظل الانفلات الأمني الذي شهدته مصر عقب ثورة يناير.

2- التفاهمات المصرية مع السلطة الفلسطينية وقيادات فتح، بل والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حول مع ما تزعمه إسرائيل مِن متطلباتها الأمنية، وتؤيدها فيه الإدارة الأمريكية؛ إذ تشتكي إسرائيل مِن قصف فصائل المقاومة الفلسطينية -وفي مقدمتها حماس- للمدنيين الإسرائيليين في جنوب إسرائيل بالصواريخ، وتتعاطف معها الدول الغربية وأمريكا، إلى درجة جعلت حماس -بضغطٍ مِن إسرائيل- حركة إرهابية عند الإدارة الأمريكية والغرب؛ مما يمثِّل إلى جانب الخوف مِن التواصل بيْن الجهاديين في غزة والجهاديين في شمال سيناء، واتخاذ غزة قاعدة للانطلاق في عمليات ضد مصر أو ملاذًا للفرار إليها بعد تلك العمليات في ظل الانفلات الأمني الذي عانتْ منه مصر عقب سقوط نظام حكم الإخوان - يمثِّل ضغطًا على مصر للمشاركة في حصار قطاع غزة وعزله مِن جهة معبر رفح، البوابة الشرقية للقطاع؛ وهو الأمر الذي تعامل معه النظام المصري بعدم الإغلاق التام لمعبر رفح، وفتحه على فتراتٍ زمنيةٍ، إلى جانب تدمير معظم الأنفاق التي بناها الفلسطينيون على الحدود، والمطالبة بإشراف السلطة الفلسطينية على المعبر في ظل المصالحة الفلسطينية المرتقبة، وهو ما لا تطمئن إليه حماس في ظل صراعها مع فتح، وفي ظل التنسيق الأمني بيْن السلطة الفلسطينية وإسرائيل برعاية الإدارة الأمريكية.

(وبغض النظر عما إذا كانت حماس تحرك الأحداث في شمال سيناء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فإنها تبقى مسئولة بدرجة كبيرة؛ لكونها السلطة الحاكمة في القطاع، ولكونها العين الفلسطينية الراصدة لكل شاردة وواردة تدخل وتخرج مِن القطاع، وهي بسلطتها قادرة على معرفة وتسجيل كل التحركات مِن وإلى غزة، ويمكنها مِن خلال علاقاتها مع مالكي وعمال الأنفاق مراقبة موزعي ومهربي السلاح.

ولحماس سابقة إغلاق للأنفاق مرتين لأوضاع طارئة إبان حكم محمد مرسي، عقب حادث مقتل 16 جنديًّا مصريًّا في أغسطس 2012م، وعقب اختطاف 7 مِن عناصر الأمن المصري في مايو 2013م، حيث أعلنت منطقة الحدود بالكامل منطقة عسكرية مغلقة، بل كانت حماس تغلق الأنفاق مِن جانبها أحيانًا في عهد مبارك بطلبٍ مِن مصر أو لأوضاعٍ طارئةٍ تخص أمن القطاع).

وقد تعاملت حماس مع إشكالها مع مصر بعقليةٍ سياسيةٍ مرنةٍ؛ فأصدرت وثيقة جديدة اعترفتْ فيها بدولة فلسطينية على حدود 4 يونيو1967م، وفكت فيها ارتباطها السياسي بجماعة الإخوان، كما أجرت انتخابات في المكتب السياسي لها صعدت فيه جيل جديد لقيادة الحركة، يتحمل تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة مِن حماس على أرض الواقع؛ ولعله كان الأنسب -مِن بداية الكفاح الفلسطيني المسلح وإلى الآن- أن يتفرغ الفلسطينيون لقضية تحرير أرضهم بعيدًا عن الارتباط حاليًا بأي التزام يتسبب في تعرضهم للشئون الداخلية للدول العربية خاصة، وقضايا العالم الأخرى عامة، في وقتٍ تحتاج فيه لكل معاونة وتأييد مادي أو دبلوماسي أو معنوي في مواجهة إسرائيل وحلفائها، والصهيونية العالمية.

موقف إسرائيل مِن المصالحة:

ترجع أهمية التعرف على موقف إسرائيل مِن المصالحة أن إسرائيل طرف رئيسي في مفاوضات السلام التي ترنو إليها المصالحة في أهدافها، وهذه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية هي ما تبقى مِن محاور لحل القضية الفلسطينية مع غياب الخيارات الأخرى عن المنظور العربي حاليًا! وإن كانت إسرائيل تريد مِن هذه المفاوضات فرض تصورها للسلام، وهو ما يقاومه المفاوض الفلسطيني، ولكن الانقسام الفلسطيني يساهم في تجميد هذه المفاوضات، حيث تستثمره إسرائيل في زعم أنه لا وجود لشريكٍ فلسطيني في مفاوضات السلام، وأن رئيس السلطة الفلسطينية لا يمثِّل كل الفلسطينيين تحت الاحتلال، وهذا التجميد هو ما تريده إسرائيل، حيث ترى إسرائيل أن الوقت في صالحها لفرض الأمر الواقع الذي تريده، خاصة وقد سمح الانقسام لإسرائيل بالاستفراد بكلٍّ مِن السلطة في الضفة الغربية وحماس في غزة على حدة، في استنفاد خيارات التفاوض مع السلطة، وفي استنفاد خيارات المقاومة مع حماس، والوصول بالخيارين إلى الصفر مِن حيث المحصلة النهائية مِن الناحية العملية.

وإسرائيل تتخذ موقفًا دبلوماسيًّا مِن المصالحة؛ فهي لا ترفضه رفضًا قطعيًّا علانية، كما فعل (نتنياهو) مِن قبْل في مصالحة سابقة عام 2014م، حيث أعلن بعدها عدم التعامل مع السلطة لتعاونها مع حماس المعادية لإسرائيل، أي تخيير السلطة بيْن السلام مع إسرائيل، وبين السلام مع حماس، ولا هي تؤيده بلا تحفظاتٍ، خاصة مع موافقة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، واللجنة الرباعية والاتحاد الأوروبي، وما أبداه المبعوث الأمريكي للمنطقة مِن ارتياحٍ لمفاوضات المصالحة الفلسطينية إذ هو خطوة ضرورية لأمريكا لعرض تصورها الذي تعده للسلام في المنطقة، وهو ما يُعرف بـ(صفقة القرن!).  

ولإظهار القبول المؤقت للمصالحة مع السعي إلى وأدها؛ طلب نتنياهو مِن حماس: الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ونزع سلاح حماس، وإعلان نبذ العنف -أي المقاومة المسلحة-، وقطع علاقتها بإيران؛ لقبول مشاركة حماس السياسية في السلطة الفلسطينية، وهي مطالب تتقبلها أطراف عديدة في المجتمع الدولي، فتتخذها إسرائيل غطاءً لموقفها الرافض للمصالحة، وتراهن إسرائيل كالعادة على فشل جهود المصالحة الفلسطينية كما فشلتْ في المرات السابقة.

الموقف الإيراني:

شغلت إيران وملأت الفراغ الذي تركه العرب في دعم خيار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل مِن خلال التسليح والتدريب لكتائب القسام؛ إذ إن إيران الداعم الأكبر لها! بالإضافة إلى الدعم المالي والسياسي لقطاع غزة تحت حكم حماس التي تتزعم حاليًا المقاومة الفلسطينية، وهو ما جعل حماس ترتبط بإيران، وتفضل الإبقاء على الخطوط مفتوحة للتواصل مع إيران تحسبًا لأي تغيير في المعادلة ستسفر عنها المرحلة المقبلة، ويرى قادة حماس في ذلك التواصل مع إيران وتلقي الدعم منها ضرورة! ولهذا حرصت حماس بعد إعلان المصالحة الأخيرة في القاهرة في ديسمبر 2017م على إرسال وفد إلى طهران للتأكيد على استمرار علاقة حماس بإيران في ظل المصالحة، وعدم الاستجابة لمطالب قطع العلاقة معها؛ بالإضافة إلى إعادة حماس لتقييم موقفها مِن الأزمة السورية بعد تطوراتها الأخيرة لصالح بشار الأسد، لتحسين علاقتها مِن جديدٍ مع نظام الأسد ومع حزب الله في لبنان، وفي المقابل: اتخذت إيران موقفًا دبلوماسيًّا مرنًا يُظهِر دعم المصالحة الفلسطينية لما فيها مِن نبذ للخلافات.

الموقف التركي:

تؤيد تركيا موقف الإجماع الدولي والعربي حول حل الدولتين، واعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية على حدود الرابع مِن يونيو 1967م، كما تضطلع تركيا بتنفيذ مشاريع إعمار غزة، بدون أي تبعاتٍ أو شروطٍ على الفلسطينيين، كما أن لتركيا علاقات وتعاونًا مع إسرائيل، في الوقت الذي تحتفظ فيه بعلاقاتٍ طيبة مع حماس، رغم محاولة حماس الأخيرة لفك الارتباط سياسيًّا مع جماعة الإخوان المسلمين التي ترتبط تركيا بها، فتركيا رسميًّا تؤيد المصالحة وترى شدة الحاجة إلى سرعة تطبيقها على أرض الواقع لتسريع إحياء عملية السلام.

الموقف الأمريكي:

جوهر السياسة الأمريكية ثابت سواء في وجود رؤساء أمريكيين جمهوريين أو ديمقراطيين، ويدور حول الحفاظ على وجود إسرائيل في المنطقة، وعلى الحفاظ على أمنها؛ لذا استخدمت أمريكا حق الفيتو (الاعتراض) في الأمم المتحدة لأكثر مِن 40 مرة؛ لمنع أي عقوباتٍ أو ضغوطٍ على إسرائيل أو للتغاضي عن انتهاكاتها وحكمها العسكري الصارم على الفلسطينيين. ولم يمنع ذلك مِن انتقاد أمريكا لإسرائيل مِن وقتٍ لآخر لسياسة التوسع في الاستيطان في القدس والضفة، ولم يمنعها مِن مشاركة المجتمع الدولي في تأييد حل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل، وهو ما تتجه أمريكا إلى التخلي عنه في ظل رئاسة ترامب حاليًا.

وتؤيد أمريكا المصالحة الفلسطينية مِن جهة؛ إذ تساهِم في إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وتمهِّد مِن جهةٍ أخرى الطريق لعرض التصور الأمريكي لحل القضية الفلسطينية التي ستعرضه بعد استكمال تفاصيله، وهو ما يُطلق عليه: (صفقة القرن)، ولكن أمريكا ترى -توافقًا مع إسرائيل- أنه لا يمكن قبول حماس كفاعلٍ إلا بعد قبولها لاتفاق أوسلو، والاعتراف بقبول حق إسرائيل في الوجود، ونبذ العنف (أي المقاومة المسلحة).

موقف الاتحاد الأوروبي:

يتصف الدور الأوروبي في دعم السلام في المنطقة بكونه مكملًا ومساعدًا للدور الأمريكي، ويقتصر غالبًا على الدعم المالي والسياسي المقتضب، الذي يوازن بيْن العلاقات الطيبة مع أمريكا وإسرائيل، ومع الجانب العربي والفلسطيني، وهو دور يتسم بالتقدم ببطءٍ يتفادى أي رفض أمريكي أو إسرائيلي له، ويساعد على احتواء أي توتر في العلاقات الأمريكية العربية، وهو ما تدعمه أمريكا وتراه دورًا يمنع حدوث فراغ سياسي أو دبلوماسي في العملية التفاوضية، رغم التحفظات الإسرائيلية عليه.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي لم يمارس أي دور سياسي فعال في دفع القضية الفلسطينية؛ إذ يُعد القلق مِن رد الفعل السلبي لإسرائيل على أي مبادرةٍ أوروبيةٍ -التي تفضل المفاوضات الثنائية مع الدول العربية- مِن عوامل إحجامها عن تقديم مبادراتٍ؛ خاصة أن مِن أعضاء الاتحاد الأوروبي -وفي مقدمتهم: هولندا وبلجيكا والدنمارك وألمانيا- مَن يتلافى تحميل إسرائيل -نتيجة تعنتها- مسؤولية فشل عمليات السلام؛ خاصة في ظل تشتت الدول العربية وعدم اتفاقهم على سياسيةٍ موحدةٍ؛ لذا يفضِّل هذا التيار الاكتفاء بالدور الأمريكي وحده، وألا يتدخل الاتحاد الأوروبي إلا في حالات تراجع الدور الأمريكي، وهو ما تميل إليه إسرائيل.