الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 09 يناير 2019 - 3 جمادى الأولى 1440هـ

عِبر من قصص الأنبياء (21)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- يوسف -عليه السلام-:

تتميز قصة يوسف -عليه السلام- بكونها مِن القصص التي ذُكرتْ في موضعٍ واحدٍ، وبسورة سميت بسورة يوسف، وهي سورة مكية، وفيها بسط لكثيرٍ مِن تفاصيل قصته -عليه السلام-؛ وذلك لمواساة النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفع معنوياته والمسلمين وتثبيتهم، حيث نزلت سورة يوسف في مرحلة عصيبة مرت بالمسلمين، وهي فترة عام الحزن وحصار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الشِّعب، فقصّ الله -عز وجل- على نبيه وأصحابه قصة نبي كريم تعرض لصنوفٍ متعددةٍ مِن الفتن والمحن والابتلاءات، انتهت بتصدره لكرسي الوزارة ومجيء أهله واعتراف إخوته بندمهم على إيذائه، وذلك بشرى وتسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالنصر والفوز القادم عقب المحنة.

وفي قصة يوسف -عليه السلام- عِبَر كثيرة ومتنوعة، لكنني أختار منها عبرتين تمسان واقعنا المعاصر بشكلٍ مباشرٍ، العبرة الأولى: هي تورّط إخوة يوسف -عليه السلام- في الغيرة والحسد له على حب أبيه له؛ مما دفعهم للكيد له والمكر به حتى أبعدوه عن أبيه يعقوب بخداعه -عليه الصلاة والسلام-، سواء بطلب خروجه ليلعب معهم أو بوضع دمٍ على قميصه.

وقد كان يعقوب حين قصّ عليه يوسف -عليهما الصلاة والسلام- ما رآه في المنام قد أدرك أن إخوته قد لا يتحملون هذا التميز ليوسف عليهم، وقد يسعون في أذيّته، فقال ليوسف: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف:5)، ونحن لا نزال نعاني مِن كيد وحقد وحسد الإخوة لإخوتهم بتحريض وتحريش الشيطان، بدلًا مِن الفرح لتميزهم، فكثيرة هي الخلافات والمنافسات والخصومات غير الشريفة بين الدول والجماعات والقيادات، والتي باعثها الحسد والحقد والتحريش الشيطاني، بدلًا مِن التكامل والتعاون والتناغم.

ومتى استحضر الإنسان قدرة الشيطان والهوى والإعجاب بالنفس على غمط الناس حقوقهم وزرع الشقاق والبغضاء في غير موضعها؛ كان الوعي بخطورة هذا المسلك على نهضة الأمة وتقدمها، حاديًا للفرح بنجاح الآخرين، والسعادة والرضى بحصول المصلحة الجماعية، ومتى غاب هذا الوعي دبّت في الأمة روح التفتت والخصام، وسادت سياسة عرقلة الآخرين، لا لسببٍ سوى الحقد والحسد! 

وفي جانب آخر للعبرة والتعجب في هذه النقطة: أن هؤلاء الإخوة الذين حقدوا على طفل صغير، هو أخوهم، هم الأسباط أصول وأجداد اليهود! وهذا يكشف لنا عن النفسية المريضة لليهود من قديم الزمان بحيث يحقدون على أخيهم؛ لأنه يحظى بحب أبيه! (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ . إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (يوسف:7-8)، ومع الحقد والحسد لطفلٍ صغيرٍ لا يملك مِن أمره شيئًا نجدهم يطعنون في أبيهم، ولا يراعون أنه نبي مرسَل، فلا يحترمون سنّه ولا قرابته ولا نبوته! وهذا وحده كفيل بفهم سبب خسة النفسية المريضة التي تقود السياسة اليهودية اليوم في مجالات شتى.