الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 08 يناير 2019 - 2 جمادى الأولى 1440هـ

حماس والمصالحة الفلسطينية

كتبه/ علاء بكر 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد انتقلت حماس مِن المقاومة المسلحة إلى العمل السياسي والسعي للمشاركة في الحكم بعد التوقيع على (وثيقة القاهرة) في مارس 2005م، والتي تضمنت التهدئة مع إسرائيل، بما يعني تجميد العمليات الانتحارية (الاستشهادية) داخل المدن الإسرائيلية، ووقف إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، مع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، والتحضير للانتخابات النيابية (التشريعية) الثانية في يناير 2006 م.

وكانت حماس قد تعرضت لانتقاداتٍ دولية؛ بسبب استهداف عملياتها للمدنيين الإسرائيليين، وجاء اختيار حماس للدخول في العمل السياسي والدبلوماسي العلني والمشاركة في الانتخابات العامة الموصلة إلى المشاركة في السلطة ليفرض على حماس ضرورة الاتفاق على قواسم مشتركة مع المجتمع الدولي؛ لضمان التعامل مع السلطة الفلسطينية الحاكمة، وإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية ومالية، خاصة مع اعتماد السلطة الفلسطينية على أموال المانحين لاستمرار الإنفاق على -والتنمية في- الضفة وغزة، ولتغطية نفقات السلطة وموظفيها الذين تتزايد أعدادهم مع الوقت، ويتضمن ذلك الاعتراف بالاتفاقات الدولية بيْن منظمة التحرير وإسرائيل ونبذ العنف.

تبعات تشكيل حماس للحكومة:

لقد كان مِن تداعيات المقاومة المسلحة والعمل السري بقاء الحركة في دائرة استهداف الاحتلال مِن جهةٍ، ولكنها تبقى بعيدة عن دائرة التنازلات السياسية؛ إذ ليستْ مضطرة إلى تقديم تنازلات إلا في ظروفٍ استثنائية تحقق معها إنجازات لصالحها مقابل تهدئة أو تجميد مؤقت، أو تبادل أسرى بمعتقلين ونحو ذلك.

وجاءت الموافقة على (اتفاق مكة)؛ لخروج حركة حماس مِن دائرة المقاطعة والعزلة المفروضة عليها مِن قِبَل اللجنة الرباعية الدولية والمجتمع الدولي؛ إذ كان شرط التعامل مع حكومة السلطة الفلسطينية -الحكومة العاشرة للسلطة الفلسطينية- التي شكَّلتها حماس بعد فوزها في المجلس التشريعي: الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بالاتفاقات الدولية التي وقعتها السلطة الفلسطينية مِن قبْل، ونبذ العنف.

ووجدت حماس في اتفاق مكة الذي استند إلى وثيقة الاتفاق الوطني مخرجًا؛ حيث تضمن الاتفاق استخدام كلمة: (احترام الاتفاقات الموقعة) بدلًا من كلمة: (الالتزام بالاتفاقات الموقعة)، وتضمن ضرورة تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة على حدود الرابع مِن يونيو عام 1967م، والتي تقبلتها حماس كحدودٍ مؤقتةٍ (مرحلية) للدولة الفلسطينية، وهذا الاتفاق يتضمن الاعتراف الضمني بدولة إسرائيل.

 لقد كان مِن تداعيات المشاركة في السلطة تغيير حركة حماس مِن خطابها وأدواتها التكتيكية بالمشاركة في الاجتماعات الوطنية برعايةٍ مصريةٍ، وبالاتجاه نحو المصالحة مع المجتمع العربي والدولي.

ورغم تشكيل حماس لحكومةٍ وحدة وطنية جديدة -الحكومة الحادية عشر للسلطة الفلسطينية- بعد اتفاق مكة في فبراير 2007م، والتي تبنت وثيقة الاتفاق الوطني؛ فقد استمر المجتمع الدولي في مقاطعة الحكومة ومحاصرتها، إذ لم يعترف بها إلا قطر والنرويج، وهو الأمر الذي عمَّق مِن أزمة مشاركة حماس في الحكم.

استفادت حماس مِن حركات التضامن الشعبي الدولي التي جاءت إلى قطاع غزة عقب الحصار المشدد على القطاع مِن منتصف يونيو 2007م، على خلفية انفراد حماس بالحكم في القطاع، مِن خلال محاولة بعض السفن المحملة بالأدوية والمعونات الإنسانية، لتجذب الأنظار إلى الآثار السلبية للحصار على الأحوال المعيشية لسكان القطاع، وجاءت رسائل وتأكيدات مِن بعض الأوساط والشخصيات البرلمانية لصناع القرار في البلدان الأوربية تتضمن رغبة الحركة في التحرر والاستقلال وليس نفي الآخر، وأن الحركة ضحية لازدواجية المعايير مِن قِبَل المجتمع الدولي الذي عمليًّا لا يعترف بنتائج الانتخابات الفلسطينية رغم ما شهد لها مِن النزاهة والشفافية.

حاولت حماس رفع الحصار والعزلة عن قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي الهمجي على القطاع في ديسمبر 2008م ويناير 2009م، والذي استمر نحو ثلاثة وعشرين يومًا، والذي استهدف السكان المدنيين العزل والبنية التحتية، فخلف نحو 1500 شهيد و5000 جريح، ودمَّر نحو 40 ألف منشأة مِن مؤسسات ومقرات وزارية وأمنية، ومدارس، ومستشفيات، ومساجد، حيث بدأت الوفود تتردد على القطاع للاطلاع على حالة الدمار الذي أصابته، متضامنة مع سكانه إنسانيًّا؛ مما منح القطاع تعاطفًا شعبيًّا عربيًّا ودوليًّا، خاصة مع قيام حماس والقوى الفلسطينية الأخرى بتهدئةٍ غير معلنة، رغم تكرر التوغل الإسرائيلي داخل القطاع، بل واقتطاع مساحة 500 متر مربع مِن الحدود الشرقية للقطاع واعتبارها (منطقة عازلة)، وقصر المنطقة المسموح للصيادين الفلسطينيين بالصيد فيها على مسافة 3 أميال فقط مِن شواطئ غزة مِن أصل 20 ميلًا نصتْ عليها (اتفاقية أوسلو).

رحبت حماس بالبعثة الدولية المكلفة مِن قِبَل (مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة) للتحقيق في أحداث الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في نهاية 2008م وبداية 2009م، وترأس اللجنة القاضي (ريتشارد غولدستون)، وهو يهودي مِن جنوب إفريقيا، وفي الوقت الذي سهلت فيه حماس عمل اللجنة رفضت إسرائيل استقبالها، ورغم إدانة تقرير اللجنة لحماس؛ بسبب إطلاقها للصواريخ على قرية (سديروت) الاستيطانية الإسرائيلية، واستهداف سكانها المدنيين، لكن جاءت معظم محتويات اللجنة تتضمن إدانة واضحة لإسرائيل لاستخدامها كل أنواع الأسلحة، والطائرات والدبابات ضد المدنيين، والبنية التحتية والمنشآت في غزة بما فيها الأسلحة المحرمة دوليًّا! ومنها: "الفسفور الأبيض"؛ فأوقعت خسائر بشرية كبيرة مِن قتلى وجرحى بالآلاف، ثلثها كان مِن الأطفال؛ بالإضافة إلى الخسائر المادية الجسيمة.

وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان نتائج العدوان وقدَّمتها للجنة التي اعتبرت الانتهاكات الإسرائيلية تصل إلى حدِّ (جرائم حرب) و(جرائم ضد الإنسانية) تستوجب محاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حربٍ أمام المحاكم الدولية.

وعند تحديد جلسة 4 سبتمبر 2009م لمناقشة تقرير اللجنة في الأمم المتحدة فوجئ الجميع برغبة بعثة السلطة الفلسطينية في تأجيل النظر في تقرير اللجنة إلى مارس 2010م، ورفضت حماس التأجيل، وأمام الضغط الشعبي الفلسطيني تراجعت السلطة الفلسطينية عن طلب التأجيل، فتمت مناقشة التقرير في جلسة استثنائية لمجلس حقوق الإنسان في 16 أكتوبر 2009م، حيث تم التصويت لصالح تبني التقرير بأغلبية 25 عضوًا، ورفض 6 أعضاء، وامتناع 11 عضوًا عن التصويت.

وتسبب موقف السلطة الفلسطينية المطالب بتأجيل مناقشة التقرير في تسميم أجواء المصالحة الفلسطينية، واتخذته حركة حماس مبررًا لعدم التوقيع على ورقة المصالحة الفلسطينية المقدمة مِن مصر، بل وطالبت بإعادة فتح المناقشة حولها، إذ خلت مِن تفاهماتٍ سابقة، كما تحفظت على بعض عباراتها، وكانت ورقة المصالحة قد تحدد لها يوم 25 أكتوبر 2009م للتوقيع عليها مِن فتح وحماس في احتفالٍ تشارك فيه كل القوى الفلسطينية.

أصدر أبو مازن -رئيس السلطة الفلسطينية الذي تنتهي مدة رئاسته في 9 يناير 2010م- مرسومًا رئاسيًّا بإجراء انتخابات تشريعية عامة ورئاسية جديدة في 24 يناير 2010م؛ بغرض الضغط على حماس للاستجابة لجهود المصالحة؛ إذ أن رفض حماس لإجراءات الانتخابات في غزة يجعل القطاع منطقة متمردة، يمكن معاقبتها بتجفيف كافة مواردها، بما فيها مرتبات موظفي السلطة في غزة والبالغ عددهم عشرات الآلاف الذين يحصلون عليها مِن حكومة الضفة الغربية؛ بالإضافة إلى وقف برامج الإغاثة والبرامج الدولية التي لها علاقة بالسلطة في الضفة الغربية، مما يعني تصعيدًا جديدًا للحصار والمقاطعة المفروضة على قطاع غزة، ليصبح بذلك حصارًا محكمًا، بجانب المقاطعة العربية والدولية، وإغلاق معبر رفح، والضغوط على الأنفاق على الحدود بيْن غزة ومصر، والتوغل العسكري الإسرائيلي من آنٍ لآخر، ولكن جاء اعتذار لجنة الانتخابات المركزية عن عدم تمكنها من إجراء الانتخابات في كلٍّ مِن القطاع والقدس الشرقية، ليمنع تنفيذ المرسوم الرئاسي، وليعمِّق مِن الأزمة السياسية، حيث بات مِن المتوقع التمديد للرئيس عباس رغم انتهاء مدة رئاسته، وربما إلغاء المجلس التشريعي.

وقد رفضت حماس إلغاء المجلس التشريعي مؤكدة أنه لا يجوز حل المجلس إلا إذ سلم صلاحياته إلى مجلس تشريعي آخر منتخب؛ لذا قرر المجلس المركزي المنعقد في رام الله في 16 ديسمبر 2009 م التمديد لكلٍّ مِن الرئيس والمجلس التشريعي لحين إجراء الانتخابات المقترحة.

وهكذا بقي الوضع على ما هو عليه:

- حماس ولها شعبيتها -خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة- وتدعمها إقليميًّا كلٌّ مِن تركيا وإيران وقطر، والتي أصبحتْ في مفترق طرق: إما الاندماج في بنية النظام الفلسطيني الرسمي، فتكون أحد مكوناته، وبالتالي كسر العزلة والحصار عنها، وإما التمسك بموقفها وتحمل تبعات الحصار، وهو التحدي الكبير للحركة في غزة.

- والسلطة في الضفة وتدعمها الدول العربية التي توصف بأنها (معتدلة)، والتي تضغط دبلوماسيًّا على قطاع غزة، وتؤيد قيام السلطة بالتضييق على قادة وكوادر حماس، في انتظار قبولها للمصالحة على شروط السلطة والمجتمع الدولي.

إسرائيل التي ترى في الانقسام الفلسطيني مصلحة إستراتيجية؛ لذا فهي تحرص على عدم سقوط السلطة الفلسطينية، وفي نفس الوقت تحرص على تحجيم حماس وإضعافها -لا تصفيتها- بضرب قوتها العسكرية، لإبقاء الانقسام الفلسطيني مِن جهةٍ، وتبرير عدوانها المتكرر على القطاع مِن جهةٍ أخرى، ولتعميق الأزمة السياسية وتصعيدها عربيًّا ودوليًّا في ظل انسداد آفاق التوافق السياسي؛ بالإضافة إلى زيادة سوء الأحوال المعيشية للفلسطينيين.

محمود عباس أبو مازن:

هو محمود رضا عباس، وكنيته أبو مازن، مِن مواليد 15 نوفمبر 1935م، في مدينة (صفد) بفلسطين المحتلة، كان أبوه يعمل في التجارة، بعد حرب 1948م رحل مِن الجولان إلى دمشق، إلى (إربد) في الأردن، ثم إلى دمشق، حيث أتم تعليمه الثانوي فيها، وتعليمه الجامعي في (جامعة دمشق)، ثم التحق بـ(جامعة القاهرة) لدراسة القانون، وحصل على الدكتوراة في العلوم السياسية مِن الجامعة الروسية لصداقة الشعوب في موسكو، مِن كلية الدراسات الشرقية (الاستشراق)، حيث كانت أطروحته حول العلاقات السرية بيْن ألمانيا النازية والحركة الصهيونية، وقد طبعتها دار ابن رشد عام 1984 م في كتاب بعنوان: (العلاقة السرية بيْن قادة النازية وقادة الحركة الصهيونية).

وقد عمل مديرًا لشئون الموظفين في وزارة التربية والتعليم في قطر مِن عام 1957م إلى عام 1970م، وزار خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة لاختيار معلمين وموظفين للعمل هناك، وبدأ نشاطه السياسي مِن سوريا، حيث اتصل بحركة فتح في بداية تأسيسها، لكنه ظل بعيدًا عن الأحداث؛ نظرًا لوجوده في دمشق، وصار عضوًا في المجلس الوطني منذ عام 1968م، وحصل خلال عمله السياسي على الدكتوراة مِن كلية الدراسات الشرقية في موسكو في بداية الثمانينيات، وعمل في اللجنة الاقتصادية لمنظمة التحرير مِن أبريل عام 1981م.

تولى حقيبة الأراضي المحتلة بعد اغتيال إسرائيل لـ(خليل الوزير أبو جهاد) في تونس، واختير أمينًا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ليصبح الرجل الثاني عمليًّا في القيادة الفلسطينية، وكان قد عاد إلى فلسطين عام 1995م، وشارك في المفاوضات مع إسرائيل عام 1989م، وقام بتنسيق المفاوضات في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، وأشرف على المفاوضات التي أدت إلى (اتفاق أوسلو)، وقاد المفاوضات في القاهرة التي أدت إلى اتفاق (غزة - أريحا)، وترأس إدارة شئون التفاوض في منظمة التحرير منذ نشأتها عام 1994م، وعمل رئيسًا للعلاقات الدولية في المنظمة؛ ولجهوده في العمليات التفاوضية أُطلق عليه لقب: (مهندس المفاوضات).

مع قرار الإدارتين: الأمريكية والإسرائيلية عدم مواصلة المفاوضات مع ياسر عرفات عام 2003م سطع نجم عباس كبديلٍ للتفاوض؛ لذا تم الضغط على عرفات لتعيين عباس رئيسًا للوزراء في السلطة الفلسطينية، فتم تعيينه في ذلك المنصب في 19 مارس 2004م، لكنه استقال مِن منصبه احتجاجًا على الاختلاف حول صلاحياته كرئيس للوزراء.

رشحته فتح لانتخابات الرئاسة بعد وفاة عرفات، ففاز في الانتخابات في 9 يناير 2005م، حيث حصل على 62.5% مِن الأصوات، وانتهت مدة رئاسته في 9 يناير 2010م، فتم التمديد له بسبب الانقسام بيْن الضفة وغزة، ولحين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، رغم ما ذكر مِن أنه قانونًا يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الرئاسة مؤقتًا لحين انتخاب الرئيس الجديد.

يشار إلى عباس بأصابع الاتهام باعتناقه للمذهب البهائي، وعُرف عنه أنه يعارض المقاومة والكفاح المسلح، ويعارض إطلاق المقاومة للصواريخ على جنوب إسرائيل ويراها عمليات عبثية، ويرفض العمليات الانتحارية (الاستشهادية)، وهو يؤيد المقاومة السلمية الشعبية.

كانت فكرة تشكيل قيادة وطنية موحدة تعيد الاعتبار لمنظمة التحرير بعد فشل مشروع السلطة، وبعد بلوغ محاولة قيام الدولة الفلسطينية إلى طريقٍ مسدودٍ، وتساهم في دمج حماس سياسيًّا في العمل الوطني، أحد الحلول المقترحة للأزمة الفلسطينية، ولكن بقت أزمة الثقة بيْن الطرفين وراء عدم إنجاز الفكرة وتعطل ملف المصالحة.

لقد سادت حالة مِن الفوضى تتمثل في التصريحات والمواقف والمبادرات والتحركات المختلفة التي لم يعد العمل السياسي معها فنّا لإدارة الصراع الوطني، بل أصبح العمل السياسي فيها أداة لتعميق الخلافات الداخلية ولإضاعة الوقت والفرص المتاحة، بما يصب في مصلحة إتمام إسرائيل لمشروعها الاستعماري في المنطقة.

لقد أصبح واضحًا للعيان مدى صعوبة تحقيق أي انجازاتٍ في ظل الانقسام الفلسطيني، حيث إن أي انجاز وطني لن يتحقق إلا في إطار وحدة الشعب الفلسطيني تحت رؤية موحدة متفق عليها وتتوافق مع قوانين حركات التحرر الوطني في العالم، ولا تقل بحالٍ مِن الأحوال عن المطالب الأساسية التي تعد الحد الأدنى لمطالب شعب فلسطين على الأقل في هذه المرحلة مِن العمل الوطني.

فك حماس ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين:

استكمالًا لخطوات التحول الداخلي لحركة حماس أصدرت حماس وثيقتها السياسية الجديدة، والتي تم صياغتها لتراعي مستجدات الحركة دون التخلي عن مبادئها في ظل المرونة في العمل السياسي.

تضمنت الوثيقة التخلي عن عددٍ مِن المبادئ، في مقدمتها: قبول حدود 4 يونيو 1967م، وبالتالي تقديم نفسها كحركةٍ وطنيةٍ، والتحلل مِن أي ارتباطات سياسية مع جماعة الإخوان المسلمين، في ظل الأزمة التي تمر بها الجماعة في مصر، وما خلفته مِن هوة في المواقف السياسية بيْن مختلف الأطراف الإقليمية، وبناءً على تفاهماتٍ إقليمية ودولية تستدعي ذلك، كبادرة حسن نية لاستكمال المصالحة برعاية مصرية.

لقد بدا وصول الإخوان للحكم في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011م منعطفًا هامًّا في تاريخ حركة حماس، لكنه سرعان ما تحول إلى زلزال عقب الإطاحة بالإخوان مِن حكم مصر.

يأتي هذا الكم مِن التحول السياسي لحماس في أعقاب تفاقم الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة بشكلٍ غير مسبوقٍ لاعتباراتٍ، منها:

- العقوبات التي فرضها عباس على القطاع، ردًّا على رفض حماس السابق لحل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة شئون القطاع، وهي الخطوة التي اعتبرتها قيادة السلطة إعاقة لعمل حكومة التوافق التي يرأسها (رامي الحمد الله).

- تقليص عباس إسهام السلطة في سداد فواتير إمداد الكهرباء لغزة التي تحصل عليها غزة مِن إسرائيل، حيث أثر نقص إمداد الكهرباء سلبيًّا على المستوى الصحي والبيئي للقطاع، والذي حاولت قيادة حماس تعويضه بالتوجه إلى مصر.

- تأثير الأزمة الخليجية (بين قطر وباقي دول الخليج المقاطع لها) على شبكة التحالفات الإقليمية لحماس؛ مما قلص مِن حضور قطر في القطاع، وظهور احتمالية إعادة أعمار غزة على غرار ما كانت تقوم به قطر، بتمويلٍ مِن الإمارات عن طريق معسكر (محمد دحلان) الذي له ارتباط وثيق بالإمارات.

فشل جهود المصالحة الفلسطينية:

باءت أغلب الجولات الداخلية والخارجية للمصالحة (الفلسطينية - الفلسطينية) بالفشل بدءًا مِن اتفاق مكة عام 2007م إلى اتفاق القاهرة 2017 م الرامي إلى توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتمكين حكومة الوفاق الوطني مِن حكم قطاع غزة.

ومِن ذلك:

- اتفاق مكة 2007م: وقعته فتح وحماس في 8 فبراير 2007م في مكة المكرمة برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ويقضي بإيقاف أعمال الاقتتال الداخلي في قطاع غزة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

- الورقة المصرية 2009م: وهي الورقة التي طرحت فيها مصر خلاصة أفكارها في سبتمبر 2009م بعد تجدد وساطتها بيْن الفصائل الفلسطينية عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة أوائل 2009م بعد عامين مِن الانقسام.

- اتفاق القاهرة 2011م: حيث اجتمعت الفصائل الفلسطينية يوم 20 ديسمبر 2011م في القاهرة برعاية مصرية لبحث آليات تنفيذ اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني التي وقَّعت عليها الفصائل في القاهرة في 4 مايو 2011م.

- اتفاق الدوحة 2012م: حيث وقعت حركتا فتح وحماس في العاصمة القطرية الدوحة في 6 فبراير 2012م اتفاقًا للمصالحة، يهدف إلى تسريع وتيرة المصالحة، ونصت على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بشكلٍ متزامنٍ مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتشكيل حكومة توافق وطني مِن كفاءاتٍ مهنيةٍ مستقلةٍ، مع استمرار عمل اللجان التي تم تشكيلها بعد اتفاق القاهرة.

- اتفاق الشاطئ 2014م: في 23 أبريل 2014م، ونص على تضمين ما تم التوافق عليه في اتفاقي القاهرة 2011م، والدوحة 2012م.

- اتفاق القاهرة 2017م: تم التوصل إليه في 12 أكتوبر 2017م برعاية مصرية بعد جلسة حوار في القاهرة، يقضي الاتفاق بتمكين حكومة الوفاق برئاسة (رامي الحمد الله) مِن تولي كافة المسئوليات في قطاع غزة، وأن يتولى الحرس الرئاسي الإشراف على المعابر، ومنها معبر رفح الحدودي مع مصر.

ويرجع العديد مِن المحللين فشل جهود المصالحة حتى الآن إلى أمورٍ، منها:

- اقتصار جهود المصالحة على فتح وحماس دون الفصائل الأخرى، رغم وجود اختلافاتٍ أيديولوجية مع بعض هذه الفصائل.

- عدم وجود برنامج سياسي متفق عليه، ومرجعية سياسية موحدة للشراكة السياسية للرجوع إليها، والعمل بمقتضاها، بعيدًا عن تغليب المصالح الفئوية لأيٍّ مِن الحركتين.

- انطلاق المصالحة الحالية مِن المقاربة بيْن الحركتين خطوة وراء خطوة دون توافق على خط النهاية؛ إذ تُرك ذلك إلى ما بعد تمكين الحكومة وتسلمها لمؤسسات السلطة، فيتم بحث كافة القضايا الأخرى على أساس الشراكة لكل مكونات العمل السياسي لإنهاء حقبة الهيمنة والتفرد في القرار الفلسطيني، سواء في الضفة أو في القطاع.

- قيام المصالحة على المحاصصة (توزيع الحصص) بيْن فتح وحماس في مؤسسات السلطة، وبالتالي فشل التوافق عند تطبيق ما اتفق عليه، لتغلب المصالح الضيقة والرغبة في الهيمنة أو التفرد على المصالح الوطنية وتأسيس الشراكة السياسية، وتقاسم الحركتين لحكومةٍ واحدةٍ يجنِّب تحمل أي مِن الطرفين مسئولية فشل جهود المصالحة، ويبقي على مواقع نفوذهما وقوتهما في مؤسسات السلطة، ولكنها سيصحبها ازدواجية في المؤسسات قد تهدد بمحاولة حسم جديدة مِن هذا الطرف أو ذلك قد تكون أشد خطرًا مما وقع في يونيو 2007م.

والمخرج هو: التوافق على معايير وأسس تراعي الكفاءة والمهنية، والاحتياجات الفعلية مِن موظفين في كل مؤسسة عند دمج وتنظيم الأوضاع داخل السلطة، مع تمثيل كل الفصائل بلا تهميش.