الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 22 ديسمبر 2018 - 15 ربيع الثاني 1440هـ

اتفاق (غزة - أريحا) أولًا

كتبه/ علاء بكر  

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد نجحت أمريكا في أعقاب حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) في دفع أطراف النزاع العربي الإسرائيلي إلى الدخول في مفاوضاتٍ للسلام الشامل.

وفي 30 أكتوبر 1991م كان افتتاح مؤتمر (مدريد) للسلام في الشرق الأوسط في أسبانيا بحضور أطراف النزاع، ومشاركة أمريكا وروسيا، وممثل عن الجماعة الأوروبية، وفي شهر ديسمبر التالي بدأت جولات المفاوضات المباشرة بيْن الأطراف في واشنطن، وكان الهدف مِن مفاوضات إسرائيل مع الجانب الفلسطيني الوصول إلى اتفاقٍ بيْن إسرائيل والفلسطينيين على مبادئ لمرحلة أولى انتقالية مِن الحكم الذاتي الفلسطيني لمدةٍ محددةٍ، تتولى فيها سلطة فلسطينية منتخبة إدارة شؤون قطاع غزة والضفة الغربية، يعقبها مرحلة ثانية نهائية مِن المفاوضات لحل كل قضايا النزاع بين الطرفين.

وقد امتدت جولات مباحثات المرحلة الأولى الانتقالية مدة عامين، متجاوزة الفترة المحددة لها، وهو أكتوبر 1992م، دون أن تحقق الغرض منها، وقد تخلل هذين العامين إجراء الانتخابات الرئاسية في أمريكا، وحل (بل كلينتون) رئيسًا لأمريكا بدلًا مِن (جورج بوش)، وأجريت الانتخابات التشريعية في إسرائيل، وحلت حكومة إسحاق رابين (حكومة حزب العمل)، المشكّلة مِن ائتلاف حزبي: العمل، وحزب (شاس) الديني، محل حكومة شامير اليمينية المتطرفة (حكومة الليكود) في إسرائيل.

وقد أظهرت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية خلال فترة حكم الليكود تراجع إسرائيل عن كثيرٍ مِن مكتسبات مفاوضات الحكم الذاتي التي أجرتها مصر مع إسرائيل عقب توقيع معاهدة كامب دافيد عام 1979م، بل وكشفت عن نية شامير في جعل الحكم الذاتي الفلسطيني هو نهاية المطاف للقضية الفلسطينية، مع إفراغ هذا الحكم الذاتي مِن أي مضمونٍ سياسيٍ، وقصره على الطابع الإداري وبسط السيطرة الإسرائيلية عليها؛ لذا لم تبشِّر هذه المرحلة مِن المفاوضات بأي تقدم.

وفي المفاوضات التالية بعد تولي حكومة رابين تحسَّن الوضع نسبيًّا، ولكن لم يتضمن المشروع الإسرائيلي سوى عددٍ ضئيلٍ مِن التحسينات؛ لذا لم تبدو بارقة أمل في الوصول إلى اتفاق.

دور منظمة التحرير الخفي في مفاوضات واشنطن:

في الوقت التي اشترطت حكومة شامير عدم مشاركة الفلسطينيين في المفاوضات بوفدٍ فلسطينيٍ مستقل بذاته، وإنما تكون المشاركة مِن خلال وفد أردني فلسطيني، كما رفضت مشاركة فلسطيني القدس الشرقية في انتخاب السلطة الفلسطينية أو المشاركة في هذه السلطة؛ هذا فضلًا عن عدم مشاركة منظمة التحرير في المفاوضات، وهو ما اضطرت المنظمة إلى قبوله على مضضٍ، على أمل تغير الأوضاع أثناء المفاوضات، وهذا ما كان.

ثم جاءتْ مفاوضات حكومة حزب العمل بدون شروطٍ مسبقةٍ، فلم تتمسك بوفدٍ مشترك أردني فلسطيني، بل تفاوضت مع فلسطينيين مفوضين مِن سكان الأراضي المحتلة فلسطيني، سواء كانوا ضمن وفدٍ مشتركٍ أو مستقلين.

وخلال المفاوضات كانت منظمة التحرير موجودة على مائدة المفاوضات عبْر الاتصالات بواسطة أجهزة التليفون والفاكس مِن تونس -حيث مقر المنظمة بعد خروجها مِن بيروت عام 1982م-، ولم تعد المنظمة تخفي تردد أعضاء وفد المفاوضات على تونس في أعقاب كل جولة، بل استقبل عرفات الوفد ولجانه علنًا في القاهرة وفي عمان.

منظمة التحرير طرف في مفاوضات أوسلو:

وفي عهد مفاوضات حكومة رابين تمت الموافقة على اشتراك فلسطينيين مِن القدس الشرقية في المفاوضات، كما بدأت الاتصالات واللقاءات السرية بيْن شخصيات إسرائيلية غير رسمية وبيْن مسؤولين مِن المنظمة رتبتها النرويج، إلى أن أعطى رابين موافقته على مواصلة هذه المفاوضات السرية التي انتهت إلى إعداد إعلان المبادئ، ثم الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ ولعل ذلك كان عن قناعة رابين أن الموقف في مفاوضات واشنطن لن يتحسن إلا بإشراك منظمة التحرير في المفاوضات وتغير مواقفها وتقديمها لتنازلات، وبالتالي تتغير مواقف المفاوضين الفلسطينيين إلى الحد الذي يمكن أن تقبله إسرائيل.

الإعلان عن اتفاق أوسلو:

ولم يكن الوفد الفلسطيني في واشنطن على علم بأن هناك مفاوضات أخرى سرية بيْن إسرائيل والفلسطينيين قد بدأت في (أوسلو)، وأن هناك قدرًا كبيرًا مِن التنازلات قد تم تقديمه فيها؛ لذا كانت المفاجأة كبيرة عندما أعلن في 13 سبتمبر عام 1993م عن الوصول في أوسلو إلى اتفاقٍ بين الطرفين على مبادئ للفترة الانتقالية، وأقيم احتفال التوقيع على الاتفاق في حديقة البيت الأبيض بمشاركة عرفات ورابين، وبحضور الكثير مِن زعماء العالم والشخصيات العالمية.

دور النرويج ومصر في اتفاق "غزة - أريحا":

كان النرويجي (تيري لارسين) مدير معهد (فافو) قد أبدى في 3 ديسمبر 1992م استعداده لتسهيل الاتصال بيْن الإسرائيليين والفلسطينيين بعيدًا عن أجواء المفاوضات الرسمية التي كانت تجري في واشنطن، وبدأ الإعداد بلقاء أولي في لندن، ثم في النرويج، وبعد مقابلة في تونس وافق عرفات على استضافة النرويج للمباحثات السرية، لتبدأ اجتماعات خلال شهر يناير 1993م وما بعده.

وقد أحيط بها وزير خارجية إسرائيل (شيمون بيريز) علمًا، وأحاطت منظمة التحرير المسئولين المصريين بها علمًا؛ إذ كانت مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي لها علاقات مع إسرائيل وتحتفظ بعلاقاتٍ مع منظمة التحرير، وقد ساعد الدور المصري على إنجاح المفاوضات وتقريب وجهات النظر بيْن الطرفين.

بدأت المفاوضات مقتصرة على تنفيذ الحكم الذاتي في قطاع غزة أولًا، وفي زيارة لـ(بيريز) لمصر في أبريل 1993م، وافق "بيريز" على اقتراح مِن مبارك ببدء تنفيذ الحكم الذاتي في غزة وفي أريحا -في الضفة الغربية- معًا إعمالًا لمبدأ وحدة الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة، وهو ما وافق عليه عرفات عندما عرض عليه مبارك الأمر، وبدأت جولات جديدة مِن المفاوضات في أوسلو في 30 مايو، حيث أعدت وثيقة للاتفاق، وعرض الأمر على "رابين" الذي وافق على مواصلة المفاوضات، وقام بزيارة مصر ومقابلة مبارك في الإسماعيلية، أعقب ذلك أكثر مِن زيارة للدكتور أسامة الباز لإسرائيل، ومِن بعده الدكتور مصطفى خليل للتغلب على صعوباتٍ في المفاوضات.

وفي 18 أغسطس دارتْ مفاوضات طويلة عن طريق خط تليفوني بيْن دار الضيافة في العاصمة السويدية وبيْن مقر عرفات في تونس بيْن الجانبين: الإسرائيلي والفلسطيني بوساطة نرويجية مِن منتصف الليل إلى ما بعد الخامسة صباحًا، وتم التوصل لاتفاقٍ.

ويذكر بيريز في كتابه: (الشرق الأوسط الجديد): "أنه لم يكن مِن الصعب عليه أن يدرك أن صنع القرار الفلسطيني في يد عرفات؛ لذا فمِن مصلحة إسرائيل أن تلعب منظمة التحرير دورًا في العملية السياسية".

وقد استمر الدور المصري الفعال طوال مفاوضات طابا الثانية التي تلت توقيع إعلان المبادئ حتى التوقيع على اتفاقية القاهرة في 24 أغسطس 1994م بالأحرف الأولى في فندق سميراميس بالقاهرة، ثم التوقيع عليها بصفةٍ نهائيةٍ في معبر (أرينز) بقطاع غزة.

وفي الجملة فاتفاق أوسلو عمل فلسطيني بحت، وتدخل مصر فيه اقتصر على تقديم المشورة للفلسطينيين عند طلبها، وتذليل عقبات وصعوبات التفاوض مع الإسرائيليين، وبالجملة فقد أتاح الاتفاق لمنظمة التحرير موضع قدم تمارس منه السلطة داخل الأراضي الفلسطينية.

لماذا نجحتْ مفاوضات "أوسلو" في الوصول إلى اتفاق؟

بصرف النظر عما تم الاتفاق عليه في "أوسلو" فإن الوصول إلى اتفاق عده الكثيرون نجاحًا غير متوقع كان وراءه:

1- اطلاع المفاوضين في أوسلو على الصورة الكاملة لما وصلت إليه المفاوضات في واشنطن، وبالتالي إمكانية البدء مِن حيث انتهت والبناء عليه.

2- عجز المفاوضين في واشنطن عن تقديم تنازلات؛ بسبب تشدد تعليمات قيادتيهما لهما، بينما تولت القيادتان التفاوض مباشرة في مفاوضات أوسلو؛ لذا سهل تقديم التنازلات اللازمة مِن أجل الوصول لاتفاق.

3- حالة التوتر التي صاحبت مفاوضات واشنطن العلنية والتي حرص أثناءها وفدا المفاوضات على نقل ما يدور في قاعات التفاوض إلى وسائل الإعلام المختلفة، حتى تحول الأمر إلى سجالٍ بيْن الطرفين على شاشات التليفزيون، وفي المؤتمرات الصحفية بصورةٍ علنيةٍ موازية لما يجري داخل الغرف المغلقة، بينما لازم الهدوء التام مفاوضات أوسلو؛ مما مهَّد الطريق للمفاوضين على اتخاذ القرارات اللازمة في هدوءٍ وبدون ضغوطٍ خارجيةٍ.  

4- قيام عرفات بتقديم التنازلات وعقد الاتفاق بصفته رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثلة للشعب الفلسطيني، وبصورةٍ تعد فردية دون الرجوع إلى المجلس الوطني الفلسطيني أو استشارته، متحملًا بذلك كل المسؤولية عن عقد هذا الاتفاق، كما هي عادة الرؤساء العرب وقادة دول العالم الثالث.

والغالب أن ما قدَّمه عرفات كان وراءه الحالة النفسية التي كان عليها عرفات والضغوط التي مورست عليه، وحالة التوتر التي سادت الأراضي الفلسطينية مع طول فترة المفاوضات ورغبة عرفات في نجاح المفاوضات أملًا في إنهاء معاناة الفلسطينيين المتصاعدة، إلى جانب حسن ظنه بوعود أمريكا الراعية للمفاوضات.

لماذا غزة وأريحا؟!

في الواقع أن إسرائيل كانت ترغب في الانسحاب مِن غزة؛ بسبب الأعباء الأمنية الباهظة التي تتحملها بسبب احتلالها لها دون عائدٍ اقتصادي أو إستراتيجي يبرر الاحتفاظ بها، خاصة مع كثافتها السكانية الفلسطينية العالية -نحو 1.5 مليون فلسطيني- التي تجعل مِن الصعب ضمها لإسرائيل، إلى جانب ضعف اقتصادها.

ووافقت إسرائيل على إضافة أريحا لأمورٍ، منها:

- أن أريحا ليستْ بعيدة عن القدس فهي مغرية للفلسطينيين، وهي قريبة كذلك مِن نهر الأردن؛ مما يفتح الباب لإقامة اتحاد بيْن الأردنيين والفلسطينيين في المستقبل.

- أن أريحا خالية مِن المستوطنات الإسرائيلية.

هل يتحمل السادات مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع؟

قال السفير "طاهر شاش" في كتابه: ("المواجهة والسلام في الشرق الأوسط"، ط. دار الشروق الثانية عام 1996م، ص 115-116): "والواقع أن قبول منظمة التحرير الفلسطينية بعد سنوات التفاوض مع إسرائيل على أسسٍ لا تختلف عما تضمنتها اتفاقيات كامب دافيد، وموافقة الأطراف العربية على الاشتراك في مؤتمر مدريد ومفاوضاته قد أعادا الاعتبار لأنور السادات لدى كثيرٍ مِن المصريين والعرب، بل إن الكثيرين منهم بدؤوا يتساءلون عن مدى سلامة المواقف الرافضة والتي أضاعت على الأطراف العربية أكثر مِن عشر سنوات. ولا يزال الجدل قائمًا بيْن أنصار السادات وخصومه، فمِن قائل بأن العرب برفضهم اتفاقات كامب دافيد هم المسئولون عن ذلك الوضع، ولو كانوا قبلوا المشاركة في عملية السلام لكانوا قد استردوا أراضيهم وحقوقهم، ولو كانت منظمة التحرير قد قبلت خطة الحكم الذاتي في حينها لكانت قد بدأت وأنهت مفاوضات الوضع النهائي، وكان الشعب الفلسطيني قد نال حقوقه، ولكن الجميع أضاعوا سنواتٍ طويلة قاسوا خلالها الكثير مِن المآسي ثم عادوا يقبلون ما كانوا يرفضونه وربما أقل منه!

وعلى العكس: فإن مِن الناس مَن يحمِّل السادات مسؤولية الانفراد بقراراته وتصرفاته التي أخرجت مصر مِن المعركة، وأدت إلى ما أدت إليه مِن تدهور الموقف العربي، ولو ظل التضامن والتعاون والتنسيق بيْن العرب على نفس المستوى الذي دخلوا به حرب أكتوبر لكانوا استعادوا حقوقهم المسلوبة كاملة عقب الحرب. وأيًّا كان الحكم على سياسة السادات؛ فلا شك في أنها أدت إلى تحريك الموقف الدولي لتسوية النزاع في الشرق الأوسط فتتابعت المساعي إلى أن طرحت مبادرة السلام الحالية".

نظرة على الاتفاق:

تناول إعلان مبادئ (غزة - أريحا أولًا) المسائل التي ظلت موضع المفاوضات منذ بدء مباحثات الحكم الذاتي التي جرت بيْن مصر وإسرائيل خلال الأعوام مِن 1979 م إلى عام 1982م ثم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في واشنطن والتي استمرت نحو عامين، واشتمل الإعلان على ديباجة و17 مادة، وأربعة ملاحق، ومحضر واحد متفق عليه.

سجل الإعلان اتفاق الطرفين على تأجيل مناقشة المسائل الصعبة التي كانت تشكل العقبات الكبرى وإرجاء بحثها إلى مفاوضات الوضع النهائي: كالقدس، والمستوطنات، واللاجئين، والحدود النهائية، والترتيبات الأمنية النهائية، والعلاقات الفلسطينية مع الدول المجاورة، حيث كانت مواقف الجانبين فيها متباعدة بدرجةٍ كبيرةٍ يصعب معها إيجاد حلول وسط بشأنها، وجاءت موافقة منظمة التحرير على إرجاء بحث هذه المسائل بمثابة تغير في مواقفها.

انتقل الإعلان إلى مرحلةٍ جديدةٍ مِن التنسيق والتعاون بيْن الطرفين في مجالات التنمية الاقتصادية وإدارة المرافق، وقد كان الموقف الفلسطيني يتمسك مِن قبْل بفصل الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي الذي طغى على اقتصاديات الضفة وغزة وأخضعهما لمتطلباته، كما خصص الإعلان ملحقين للتعاون بيْن الجانبين في مجالاتٍ كثيرةٍ، منها: المياه، والكهرباء والطاقة، والنقل، والاتصالات، والطرق والسكك الحديدية، والتجارة والصناعة، إلخ.

وهذا التغير في الموقف الفلسطيني بالغ الأهمية؛ إذ ينتقل مِن السعي لفك الارتباط بيْن اقتصاديات الطرفين إلى التعاون الشامل بينهما في المجالات الاقتصادية المختلفة، وهذا مما يمهِّد لما تسعى إليه إسرائيل مِن إيجاد سوق شرق أوسطية تضم دول المنطقة تندمج فيه إسرائيل وتهيمن عليه مِن خلال التزاوج بيْن التفوق العلمي والتقدم التكنولوجي لإسرائيل وارتباطها بالدول المتقدمة في العالم، وبين الأيدي العربية الرخيصة وفائض رأس المال العربي خاصة الخليجي، إلى جانب فتح الأسواق في الأراضي الفلسطينية والدول العربية للمنتجات الصناعية والزراعية الإسرائيلية وانتهاء المقاطعة العربية الاقتصادية لإسرائيل.

نص الاتفاق على إنشاء السلطة الفلسطينية لقوةٍ مِن الشرطة الفلسطينية (قوات أمن) للحفاظ على الأمن الداخلي والنظام العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تضطلع إسرائيل بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية، وتضمن كذلك إقامة لجنة ارتباط مشتركة، والاتفاق على تسوية النزاعات مِن خلال التفاوض، فإن لم يمكن تسويتها بالتفاوض فبالتوفيق وإلا فبالتحكيم، ولكن الاتفاق لم يضع الآليات اللازمة لذلك؛ مما قد يترتب عليه طول فترات تسوية أي منازعات.

ويقتضي الاتفاق التزام السلطة الفلسطينية بمواجهة أي حركات فلسطينية تمارس العمل المسلح ضد المواطنين الإسرائيليين، وتتعهد بوقف أي محاولات علنية أو سرية لإنشاء منظمات تمارس العنف المسلح، بل تقوم السلطة بتسليم قوائم بأسماء الجماعات الفلسطينية المعارضة للاتفاقية، والتعهد بمراقبة نشاطها ونزع أسلحتها وإعطاء المعلومات عن أماكن تخزينها، وهذا ما وصفه البعض بأنه بمثابة تعيين مِن إسرائيل لعرفات حاكمًا عسكريًّا إسرائيليًّا على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي شأن الانسحاب الإسرائيلي مِن الأراضي المحتلة في فترة الحكم الذاتي: نص الاتفاق على الانسحاب الإسرائيلي السريع مِن قطاع غزة ومنطقة أريحا، مع إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في بقية الأراضي المحتلة، على أن يجري إعادة الانتشار في مرحلة أولى قبْل انتخاب سلطة الحكم الذاتي خارج المناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين، ثم يتم تدريجيًّا في مواقع محددة.

تضمن الاتفاق على النقل المبكر للسلطات والمسؤوليات إلى السلطة الفلسطينية المنتخبة في مجالات: التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب والسياحة، كتجربة للتعايش بيْن السلطة الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية.

وقد اُستقبل عرفات عند دخوله غزة استقبالًا فلسطينيًّا جماهيريًّا في 11 يوليو 1994م.