الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 7 صفر 1440هـ

مسؤولية الجميع!

كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنحن على علمٍ ويقينٍ بأن الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله -تعالى- للعالمين، وتعبد به الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران:19)، وقال -تعالى-: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85).

وكان كل الأنبياء على هذا الدين.

 قال الله -تعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:136).

كلما نظرت إلى أمتي بكى قلبي، وأصابني الهم والغم والحزن، تقول لماذا؟!

أقول: يجب أن تسود وتقود هذه الأمة كل الأمم الأخرى؛ لتنقذهم مِن الكفر والضلال إلى الإسلام والإيمان؛ خسر العالم كثيرًا أن يفقد قيادة هذه الأمة، لكن الكل مشغول بحاله وأولاده، ووظيفته وشهواته، وأصبحت الأمة في ذيل الأمم، كاليتيم على موائد اللئام.

وما أصابنا هذا إلا بسبب بُعدنا عن شريعة الله، وارتكاب المعاصي والذنوب، واكتفينا بأن هناك مؤسسات رسمية تحمل همَّ هذا الدين، مثل الأزهر والأوقاف، وبعض الجماعات الإسلامية.

والصحيح أن العمل للدين مسؤولية الجميع، لماذا؟!

لأن العمل للدين قرين الانتماء إليه، فكل مسلم يجب أن يعمل لهذا الدين بالدعوة إليه، فإذا لم يجد مَن يدعوه يدعو نفسه بالالتزام بهذا الدين، يتعبد بشرائعه، يتخلق بأخلاق الإسلام، يتعامل بحسن خلق، وهذا يقدر عليه حتى العامي البسيط.

العمل للدين وظيفة العمر، المسلم يأكل ليعيش لا يعيش ليأكل، فعمره فرصة ذهبية، يغتنمه في الدعوة إلى هذا الدين بكل ممكنٍ ومستطاع.

العمل للدين ليس وقفًا على فئة، بل مسؤولية ملقاة على كاهل كل مسلم، يؤدي بقدر ما يستطيع، ويمثِّل هذا الدين تمثيلًا جميلًا لائقًا بعظمة هذا الدين.

العمل للدين موزع في أدوار بيْن المسلمين، وليس كل مسلم يعجز أن يجد له دورًا ولو إماطة الأذى عن الطريق، ولو بكف شرة عن الناس.

ولنا في الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي قدوة، فلما أسلم، وفي نفس اللحظة قال: "يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام".

إسلام والد الطفيل:

قال‏:‏ "فلما نزلتُ أتاني أبي، وكان شيخًا كبيرًا، قال‏‏:‏‏ فقلتُ:‏‏ إليك عني يا أبتِ، فلستُ منك ولستَ مني، قال‏‏:‏‏ ولمَ يا بني‏‏؟‏‏ قال‏‏:‏‏ قلت‏‏:‏‏ أسلمت وتابعت دين محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-. قال‏‏:‏‏ أي بني، فديني دينك، قال‏‏:‏‏ فقلت‏‏:‏‏ فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ثم تعالَ حتى أعلمك ما عُلِّمت‏‏.‏‏ قال‏‏:‏‏ فذهب فاغتسل، وطهر ثيابه‏‏.‏‏ قال‏‏:‏‏ ثم جاء فعرضت عليه الإسلام، فأسلم‏‏".‏‏ ‏

دعوته زوجه إلى الإسلام:

قال‏‏:‏‏ "ثم أتتني صاحبتي، فقلت‏‏:‏‏ إليكِ عني، فلست منك ولست مني، قالت‏‏:‏‏ لمَ‏‏ بأبي أنت وأمي؟! قال‏‏:‏‏ قلت:‏‏ قد فرق بيني وبينك الإسلام، وتابعت دين محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ قالت‏‏:‏‏ فديني دينك. قال:‏‏ قلت‏‏:‏‏ فاذهبي فاغتسلي. فذهبت فاغتسلت، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام، فأسلمت"‏‏.‏‏

دعوته قومه إلى الإسلام:

قال: "فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام، حتى هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق، ثم قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمَن أسلم معي مِن قومي، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، حتى نزلتُ المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا مِن دوس"‏‏ (السيرة النبوية لابن هشام). ‏‏

وفي عصرنا الحديث الشيخ عبد الرحمن السميط -رحمه الله-، كان له باع كبير في الدعوة إلى الله -تعالى-، ومِن أبرز إنجازاته في أفريقيا: "بناء 1200 مسجد - دفع رواتب 3288 داعية ومعلمًا شهريًّا - رعاية 9500 يتيم - حفر 2750 بئرًا ارتوازية ومئات الآبار السطحية في مناطق الجفاف التي يسكنها المسلمون - بناء 124 مستشفى ومستوصفًا - توزيع 160 ألف طن مِن الأغذية والأدوية والملابس - توزيع أكثر مِن 51 مليون نسخة مِن المصحف - طبع وتوزيع 605 ملايين كتيب إسلامي بلغاتٍ أفريقية مختلفة - بناء وتشغيل 102 مركز إسلامي متكامل - عقد 1450 دورة للمعلمين وأئمة المساجد - دفع رسوم الدراسة عن 95 ألف طالب مسلم فقير - تنفيذ وتسيير عدة مشاريع زراعية على مساحة 10 ملايين متر مربع - بناء وتشغيل 200 مركز لتدريب النساء - تنفيذ عددٍ مِن السدود المائية في مناطق الجفاف - إقامة عددٍ مِن المخيمات الطبية ومخيمات العيون للمحتاجين مجانًا للتخفيف على الموارد الصحية القليلة في إطار برنامج مكافحة العمى - تقديم أكثر مِن 200 منحة دراسية للدراسات العليا في الدول الغربية (تخصصات طب، هندسة، تكنولوجيا) -  دعم 9،500 مِن الأيتام - قام بتمويل 95،000 طالب - أنشأ 200 مركز لتدريب النساء -  أنشأ 860 مدرسة و4 جامعات -  طبع 51 مليون مِن المصاحف وقام بتوزيعها - أسلم على يديه أكثر مِن 11 مليون شخص في أفريقيا بعد أن قضى أكثر مِن 29 سنة ينشر الإسلام فيها، أي ما يقرب حوالي 972 مسلمًا يوميًّا".

فماذا قدمتُ أنا وأنتَ لهذا الدين؟!

فيجب أن نفيق مِن هذه الغفلة الشديدة، ونعمل بكل جدٍّ واجتهادٍ متوكلين على الله.

والحمد لله رب العالمين.