الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 08 سبتمبر 2018 - 28 ذو الحجة 1439هـ

عِبر مِن قصص الأنبياء (5)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أ- هود -عليه السلام-:

أُرسل هود -عليه السلام- ليدعو قومه -أهل عاد- إلى عبادة الله -عز وجل- وطاعته، كنهج الأنبياء مِن قبله -آدم ونوح-، وبقية الأنبياء مِن بعده، (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (الأعراف:65)، وكانت عاد قد ظهرت بعد قوم نوح (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) (الأعراف:69).

وقد تميز قوم عاد بقوّتهم المادية الضخمة (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) (الفجر:7-8)، ولكن هذه القوة المادية دعتهم للطغيان والظلم بدلًا مِن الاستقامة وإقامة العدل (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) (فصلت:15)، ودعتهم للإسراف والترف والعبث (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (الشعراء:128-130).

كما دعتهم هذه القوة المادية الضخمة للتمادي في الباطل، فجمعوا معها أيضًا تكذيب نبيهم هود -عليه السلام-، وردّ دعوته لهم لتوحيد الله -عز وجل-: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) (الأعراف:70)، وسنّة الله -عز وجل- في التاريخ أن الكفر والمعصية نتيجتهما الخسران والذل، وأن الإيمان والطاعة ثمرتهما النصر والعزة في الدنيا والآخرة؛ ولذلك خاطب هودٌ -عليه السلام- قومه بقوله: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود:52)، لكنهم استكبروا فسلب الله قوتهم، ودمّرهم.

فالالتزام بتوحيد الله -عز وجل- وطاعته هو سبيل الفلاح والقوة والنصر.

وفي واقعنا اليوم فإن ما تتعرض له الحركات والمجتمعات والدول المسلمة مِن مصائب وكوارث مِن أهم أسباب وقوعها: تقصيرها في تحقيق توحيد الله -عز وجل- بمداهنة باطل المشركين والمبتدعة: كالشيعة، وغلاة الصوفية، وغلاة العلمانية، والقوى الدولية تحت شعارات: التدرج، والتعايش وقبول الآخر، والانفتاح، والاجتهاد، ومراعاة المقاصد!

وهذه الأوصاف وهذه العنجهية وهذا السلوك المتكبر هي ما نعيشه اليوم في ظل طغيان الفكر المادي، فهذه السياسات الأمريكية بزعامة "ترامب" تنشر الخراب والحروب في كل مكان، وهذه روسيا بزعامة "بوتين" تقتل الأبرياء في سوريا والشيشان وغيرها بأبشع الصور والأشكال، وكذلك فعل حلفاؤه الصرب في البوسنة والهرسك قبْل سنوات غير بعيدةٍ، ولعل قوله -تعالى-: (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (الشعراء:130)، هو أفضل وصف لجرائمهم.

ولكن الله -عز وجل- قصم جبروت قوم عاد وأذلّ قوتهم مِن خلال المطر والريح! والتي كانوا يظنون أنها ستكون ذات منفعةٍ لهم: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الأحقاف:24).

ولعل هذا ما سيكون حال الطغيان المعاصر؛ فها هي الأمراض الجنسية تفتك بهم وهم يظنون أنهم ملكوا المتعة والسرور!

وهذه الأزمات الاقتصادية تلاحقهم وهم يظنون أنهم بالربا يستغنون، وتتزايد بينهم حالات الانتحار والإدمان والتفكك الأسري وهم يظنون أنهم في الفردية والحرية ينعمون.

وفي فلسطين المحتلة: ها هي القنبلة الديمغرافية تكاد تفتك بهم بازدياد عدد الفلسطينيين بينما هم يحتفلون بإعلان يهودية الدولة ونقل سفارة أمريكا للقدس، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (المدثر:31)