الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 07 يونيو 2018 - 23 رمضان 1439هـ

(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (3)

كتبه/ رضا الخطيب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعندما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ القرآن، كان يقرؤه قراءةً هادئةً، مترسلةً، كما أمره ربه: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) (الإسراء:106)، (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل:4).

فكان يرتل السورة حتى تبدو وكأنها أطول مِن أطول منها، وكان يمد الحروف في نهاية الآية ليسمح للعقل بتفهم الخطاب الإلهي، وللقلب بالتجاوب معه، والاتعاظ به، فإذا ما مر بآية فيها ذِكْرِ الجنة دعا واستبشر، وإذا مر بآية فيها ذِكْرِ النار تعوذ.

ولقد وصفت أم سلمة -رضي الله عنها- قراءته -صلى الله عليه وسلم- بأنها قراءة مفسرة حرفًا حرفًا، ووصفت عائشة -رضي الله عنها- ترتيله فقالت: "لو أراد السامع أن يعدَّ حروفَه لعدها".

وفي حديث حفصة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول مِن أطول منها، وظل -صلى الله عليه وسلم- ليلة كاملة يردد آية واحدة هي قوله -تعالى-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118).

ويصف لنا أبو ذر هذه الليلة فيقول: صلى بنا -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة العشاء ثم رجع إلى أهله، فلما تكفأتْ عنه العيون رجع إلى مقامه فجئتُ فقمتُ خلفَه قبْل أن يركع، فأومأ إليَّ بيده فقمتُ عن يمينه، ثم جاء عبد الله بن مسعود فقام خلفنا فأومأ إليه بيده فقام عن شماله، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح يتلو آية واحدة مِن كتاب الله بها يركع، وبها يسجد، وبها يدعو حتى أصبح (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فلما أصبح قلت لعبد الله بن مسعود: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل كذا وكذا، فلو سألته عن ذلك. فقال عبد الله -رضي الله عنه-: بأبي وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية واحدة بها تركع، وبها تسجد، وبها تدعو، وقد علمك الله القرآن كله. قال: "إني دعوت لأمتي".

حِرْصُه على التلاوة اليومية:

فكان -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على قراءة القرآن كل يوم، وكيف لا وقد أمره الله بذلك؟! (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) (النمل:91-92).

ولما جاء وفد ثقيف إلى المدينة أنزلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قبة بيْن المسجد وبيْن أهله، فكان يأتيهم ويُحدِّثهم بعد العشاء، وفي ليلة مِن الليالي تأخر عليهم ثم أتاهم، فقالوا له: "يا رسول الله لبثت عنا الليلة أكثر مما كنت تلبث؛ فقال: "نعم، طرأ علىَّ حِزْبي من القرآن، فكرهت أن أخرج من المسجد حتى أقضيه"، ومع ذلك فلم يُؤثّر عنه أنه قرأ القرآن كله في ليلة واحدة؛ قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لا أعلم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ القرآن في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.