الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 29 مايو 2018 - 14 رمضان 1439هـ

وظيفة كل مسلم!

كتبه/ أحمد رشوان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في أكبر تجمع للصحابة في حجة الوداع ليتكلم عن قضايا الدين الكلية، فتكلم -صلى الله عليه وسلم- عن حرمة الدماء والأموال، وأوصى بالنساء وبتقوى الله والعبادات، ولكنه فعل -عليه الصلاة والسلام- فعلًا عجيبًا بعدها، حيث قال: (أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟) فيقول الصحابة: نعم، ثم يتوجَّه -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء فيناجي ربه، ويقول: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) (متفق عليه)، في مشهد التأكيد على وصول رسالة السماء مِن الله إلى أهل الأرض جميعًا.

ثم حدد النبي للأمة التي شهدت على وصول رسالة السماء كاملة وظيفة ليستْ خاصة بالعلماء والدعاة -كما يظن البعض!-، بل ولا حتى خاصة بأهل الطاعات فقط "وهي وظيفة البلاغ"؛ حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) (متفق عليه)، والعجيب أنه لم يجعل لهذه الوظيفة حدًّا، بل في أقل القليل حيث قال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) (رواه البخاري)، فهل نحن كمسلمين قمنا بوظيفتنا؟! وهل نستطيع أن نشهد الله على بلاغنا للناس؟!

الحقيقة أن الجهل والشيطان جعلا المسلم يظن أن الدعوة والبلاغ مسؤولية العلماء فقط، ونظرًا لقلة العلماء وصعوبة وصولهم في كثيرٍ مِن الأحيان إلى معظم الناس انتشرت المعاصي الظاهرة، بل وانتشر الإلحاد والشرك؛ لأن المسلمين إلا مَن رحم ربي قصَّروا في وظيفتهم: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً).

فكم كان يعرف مِن الدين سيدنا أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- عندما أقام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أيامًا معدودة، ثم انطلق بوظيفةٍ محددةٍ حاملًا همّ إبلاغ القليل الذي تعلمه ليأتي بعد أعوامٍ بقومه بالكامل مسلمين! كانت إقامته بمكة أيامًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن القرآن المكي قد اكتمل، بل لم تكن العبادات الرئيسة: كالصلاة، والصيام قد فُرضت، ولكنه فهم الوظيفة وأداها -جزاه الله خيرًا-.

فنحن نحتاج لصدقٍ في البلاغ، وسنرى عجبًا عجابًا!

وقد حكى لي أحد أشياخي قصة عجيبة، قال: "التزم أحد الشباب -وكان لا يقرأ ولا يكتب- مع شبابٍ مِن أهل الدعوة، فكان يراهم يدعون ويخرجون للطرقات للدعوة إلى الله في أماكن التبرج والاختلاط المحرم، وكان يتمنى لو دعا إلى الله مثلهم، ولكنه لا يستطيع حتى أن يحفظ القرآن، ولا يستطيع أن يتكلم بالأحاديث ولا باللغة العربية مثلهم، فقال لهم ذات يوم: أنا سأخرج للدعوة إلى الله، وسأقوم بوصية النبي، وأحذر الناس مِن النار؛ فهذا ما أستطيعه ولا أقدر على سواه. وخرج هذا الشاب نحسبه صادقًا، وهو يقول: "يا عباد الله! اتقوا الله، واتقوا النار"، ويكررها ولا يقول سواها! يقول مَن أخبرني أمره: ويمر على الشباب والفتيات يقول ذلك، وهم يتعجبون حتى وصل لفتاةٍ متبرجةٍ واقفة مع شباب في اختلاط محرم وهو يقول ويبلغ عن ربه: يا عباد الله! اتقوا الله واتقوا النار. يقول مَن كان معه: وإذا بهذه الفتاة تسمع الكلمات الصادقة فتنهار مِن البكاء وتذهب إليه، تقول: لم تقول ذلك لي، والأخ حتى لا يستطيع أن يزيد على: يا أمة الله، اتقي الله واتقي النار. ومِن شفقة مَن كان مع الأخ عليها في بكائها أعطوها أرقام نساء يدعون إلى الله، وأوصلوها للأخوات. يقول لي شيخي: وهذه الأخت الآن مسؤولة عن دعوةٍ عظيمةٍ، وتحرِّك عمل دعوي ضخم فيه مئات الأخوات! ونحسبها في ميزان حسنات مَن لا يحسن إلا: "يا عباد الله! اتقوا الله، واتقوا النار".

فهل نحن كمسلمين عاجزين عن إبلاغ ما نعلمه؟!

نحن أهل معاص. نعم، ولكن لنا وظيفة حتى مع التقصير والمعصية، فكما قال أهل العلم: إن شاربي الخمر يجب عليهم أن ينهوا بعضهم البعض! حتى وهم سواء، نعم حتى لا يصبح المنكر غير منكر؛ ولأن وظيفتنا البلاغ.

وقد يقول قائل: وكيف بقوله -تعالى-: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (البقرة:44)؟!

فأقول: اقرؤوا تفسيرها، فاللوم في الآية على نسيان النفس، لا على الأمر بالبر.

قال لي أحد الشباب ذات يوم: ابتلاني الله بالعادة السرية فبمَ تنصحني؟

قلتُ له: جهز كلمات عن حرمتها، وحرمة النظر الحرام والعفة، وتكلم بها مع الناس وأنتَ تخاطب نفسك معهم. فتعجب! وقال: وكيف ذلك وأنا أفعله؟! قلتُ له: بلِّغ دين الله في هذا لنفسك وغيرك وسترى. فجاءني بعدها يقول: جزاك الله خيرًا، امتنعتُ فعلًا، وكنت أكلِّم الناس وأكلم نفسي.

فلذلك أقول: نحن كمسلمين لنا وظيفة حددها لنا النبي "وهي البلاغ" ولو في أبسط الأمور، فمَن علم فرض الصلاة فليكلم الناس عن الصلاة، ومَن علِم آية فليبلغها لعل الله يفتح بكلمات بسيطة مِن عبدٍ عاصٍ، ولكنه صادف قلوبًا كبيرة يغير الله بها حال أمتنا.

وأنا أقول في نهاية هذه النصيحة: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.