الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 14 مارس 2018 - 26 جمادى الثانية 1439هـ

مِن واجبات وحتميات المرحلة: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)

كتبه/ إبراهيم بركات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالعمل الجماعي قوة ورحمة، وتعاون على البر والتقوى؛ يفرز خيرًا ولا بد، كما ترى عسل النحل ثمرة لتعاون النحل تحت إدارة وبذل وعطاء مِن كل أفراد فريق النحل، وهكذا يجب أن يكون بيْن كل فريق يريد أن يحقق أهدافًا، ويصل إلى أفضل الصور لتحقيق مراد الله -عز وجل- في التعاون على البر والتقوى.

لذلك يجب ألا يكون هناك ازدواجية القيادة ولا غموض القرارات دون الإلمام بأسبابها وليس في العمل الجماعي الحقيقي قدسية أفراد، بل عصمة منهج، وتفاوت قدرات أهله وشيوخه في العطاء ليس فيه قهر لفريقٍ، ولا سوء أدب مع الغير، ولا تقزيم لكبارٍ، ولا تهميش لأصحاب تاريخ وتأثير.

- كيفية اتخاذ القرار واضحة لا تتغير، بل هي ملزمة لكل الفريق، ومنهج إعداد الفريق علميًّا وتربويًّا ودعويًّا يقوم به مَن تربى على الإخلاص والصدق بعيدًا عن حب الشهرة والصدارة، ولا يقع في أغلوطة حفظ الكيان بهدم كيان إيمانه، ويشاهد ذلك ويدرك في تتابع أخطائه، وكثرة تقديم المرجوح، وعدم حرصه على إتقان فقه الأوليات؛ إلا ليخدم بغيته ويرفع قدره!

- بركة العمل تثمر في الفريق ودًّا وصلة فيما بينهم، ومع غيرهم ممَن يتفق معهم في بعض القضايا، ويختلف في بعضها؛ شريطة وحدة العقيدة على منهج أهل السُّنة والجماعة.

- ذلك المنهج مرجعيته ما كان عليه سلف الأمة الصالح، مع وضوح الأدلة الشرعية مِن القرآن والسُّنة، والتربية ملزمة لكل أفراد الفريق ليس على أشخاص بعينها فيفقدون كثيرًا مِن العلم والعمل، وتفوتهم كثير مِن التجارب، دائمًا يزيدون لا ينقصون، محبوبون مهابون، مباركون أينما حلوا، على صراط الله المستقيم سائرون مجتهدون، مثلهم (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (الفتح:29).

- العمل الجماعي الناجح أفراده لا يسمعون النميمة، ولا يصدقون الأخبار إلا بعد التبين واليقين، ويراعون حرمة الكبار، ولا يقدِّمون الصغار على مَن سبقهم، ويقولون: "لا تحدثوني عن أصحابي حتى أخرج إليهم بصدرٍ سليم"، ويبتعدون كل البُعد عن أسباب الفتن ومظان الفرقة.

- العمل الجماعي الصادق يفرز طائفة لطلب العلم وتأصيل المنهج، وطائفة للتعبير وتأصيل التربية والإعداد، وطائفة للدفع والطلب والجهاد، وحفظ الثغور إذا توفرت أسبابه الشرعية، وطائفة لطلب المعاش وكفاية مَن يستطيعون وأداء فروض الكفايات: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (المزمل:20).

- والكل مطالب بقراءة ما تيسر مِن القرآن، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقراض الله قرضًا حسنًا، والاجتهاد في تقديم الخيرات، ورعاية حدود الله -عز وجل-.

- وهذه التكاليف لا تتحقق إلا بفريقٍ صادقٍ مع منهجٍ واضحٍ يَرعى تاريخه، ويحافِظ على جذوره وأهله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) (الفتح:29).

- فالعمل الجماعي الذي يقطع جذوره، ويهمِّش سيقانه؛ ستقل ثماره ويعجل سقوطه بمجرد هبوب رياح الفتن وصولة العدو المتربص؛ فالحذر الحذر، ولنصدق مع الله لنقوي سيقان دعوتنا، ونثبت جذورها بالبذل والصدق والاجتهاد مع الله -عز وجل- ليل نهار، (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44)، والعمل الجماعي يبدأ بواحدٍ يتعاون مع مثله، ويقوى ويثمر صدقهما واقعًا ملموسًا يؤثِّر في غيرهم، ويبارَك بإخلاصهم. 

- (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) (النحل:120)، وكذلك الرجل وزوجته جماعة، بل يُقال عن زوجة الرجل أنها جماعته، ويخلف الله على الأمة إن ارتد بعضها ويحذرهم بقوله: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة:54)، وكذلك قوله -تعالى-: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) (محمد:38)، فالعطاء مِن الله إن ارتد البعض أو تولوا بقومٍ وفريقٍ، وذلك دليل على حتمية الاجتماع والائتلاف.

- وهكذا في الأمم السابقة: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (الفتح:29)، وقوله -تعالى-: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) (آل عمران:113)، ذلك للقيام بمهمات الشرع، وإبلاغ الحق.

- وتقوى الله تلزم مَن يرى عوارَ جمع، فيهم الخير مِن حُسن اعتقاد وصحة منهج، وتواصل مع الغير، ولكن لهم زلات وأخطاء، وتقديم للمرجوح؛ أن يعالِج ذلك بالنصح، وحُسن الخلق، والصبر، ويقيم هو مع جمعه ما فات الآخرين أن يقيموه.

وصلِّ اللهم وسلم على محمدٍ، وآله وصحبه وسلم.