الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 21 فبراير 2018 - 5 جمادى الثانية 1439هـ

(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ)

كتبه/ محمد صلاح الإتربي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

فقد وقفتُ عند هذا الموضع مِن كتاب الله ذات يوم متأملاً متعجبًا، فالله -تعالى- يخبر عن قومٍ استحوذ عليهم الشيطان -أي غلب عليهم، وتملكهم مِن كل جهة وغلب على نفوسهم- فيا تُرى: ماذا كان حالهم حين استحوذ عليهم الشيطان؟!

هل قال -سبحانه-: فقتلوا النفس بغير حق؟!

هل قال -سبحانه!: فزنوا وشربوا الخمر؟!

لا هذا، ولا ذاك، بل قال -سبحانه-: (فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) (المجادلة:19).

يا الله!

رجعتُ إلى سياق الآيات، فرأيت عجبًا!

إن الله -تعالى- يخبر عن قومٍ مِن المنافقين تولوا اليهود، فقال -سبحانه وتعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ . لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ . اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة:14-19).

لقد جاءت هذه الآية في موضع التعليل لما حصل مِن هؤلاء القوم.

فهؤلاء القوم الذين كذبوا، وحلفوا على الكذب، وعملوا سوءًا، وظنوا أنهم يستطيعون أن يجادلوا الله كما جادلوا بني آدم = كان كل هذا منهم بسبب أنهم قد استحوذ عليهم الشيطان إلى الحد الذي جعلهم قد ارتكبوا أمرًا عظيمًا منكرًا، لقد بلغ بهم أنهم قد نسوا ذكر الله -تعالى-، فكأن هذا هو أشنع ما أوصلهم إليه؛ استحواذ الشيطان عليهم.

وسبب ذلك أن ذكر الله -تعالى- باللسان يحيي في القلب مراقبته -سبحانه- وخشيته، فيثمر ذلك في الجوارح طاعته والبعد عن معصيته، فمَن نسي ذكر الله وغفل عنه يوشك أن ينسى الله في أفعاله، فلا يعمل بطاعته، ويقارف معاصيه، فنسيان ذكر الله هو البوابة العظمى التي ولج منها هؤلاء القوم إلى وادي الهلكة والعذاب.

لو تدبرت هذا جيدًا لأدركتَ لماذا قال أهل العلم إن حقيقة الذكر هي حضور المذكور في قلب الذاكر ثم التعبير عن ذلك باللسان، فحقيقة الذكر تجمع بيْن عبادة قولية وعبادة قلبية، بل ولاتضح لكَ: لماذا كان ذكر الله مِن أجَلِّ العبادات والطاعات، ولماذا أمر الله -تعالى- به فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (الأحزاب:41-42).

لا أريد أن أطيل عليك أيها القارئ، لكن عليك بكتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فهما مشحونان بفضل الذكر، فينبغي على كل راغب في الخير أن يتدبر هذا، وأن يعمد إلى تلك المواضع فيعقلها.

والله أسأل أن يجعلنا مِن الذاكرين له، إنه ولي ذلك والقادر عليه.