الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 14 فبراير 2018 - 28 جمادى الأولى 1439هـ

صفحات مِن تاريخ بيت المقدس (3) (موعظة الأسبوع) زمان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه

كتبه/ سعيد محمود 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- الغرض مِن الموعظة:                                     

- إحياء قضية بيت المقدس في نفوس المسلمين، وبيان معالِم طريق تحريره مِن الأيدي الغاصبة، مِن خلال التعرض لصفحاتٍ مِن تاريخ الاعتداءات على بيت المقدس على مرِّ التاريخ، وكيف كان الطريق لتحريره في كل مرة.

- المقدمة:

- الإشارة إلى أن أرض فلسطين والشام "وعلى الخصوص بيت المقدس" قد تعرَّضتْ للاعتداءات الكثيرة على مرِّ التاريخ، وفي كل مرة يقيض الله -عز وجل- لذلك المؤمنين الصالحين الذين تحققتْ فيهم شروط النصر والتمكين، فيقومون بتحريرها مِن الأيدي الكافرة الغاصبة.

- التذكير بما جاء في الموعظة السابقة في عبارةٍ وجيزة، وأن بيت المقدس ظل في أيدي المؤمنين إلى أن بدأتْ تظهر فيهم الانحرافات عن دين الله، فكانت سنة الله الماضية (سقوط بيت المقدس): قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال:53).

- تنبيه على أن الاعتداء في هذه المرة مِن الكفار على بيت المقدس، كان قبْل ميلاد المسيح -عليه السلام- بأربع وستين سنة، وظل هذا الاعتداء إلى سنة (636م - 16 هجرية) -سبعة قرون- حتى قام أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- بتحرير بيت المقدس وتطهيره مِن دنس الكفر والكفار في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

(1) مجمل الأحداث في نقاط:

- أهل بيت المقدس (اليهود المسلمون يومئذٍ) ينحرفون عن دين الله، وتكثر فيهم المعاصي والذنوب والشركيات، فكانت النتيجة ضياع بيت المقدس باعتداء أوروبا الرومية.

- ولادة المسيح أثناء الاحتلال، وعداوة اليهود له منذ اللحظة الأولى إلى أن رفعه الله إليه، بعد محاولة قتله باتفاقٍ بيْن الروم واليهود.

- اتباع المسيح واليهود يزدادون انحرافًا عن دين الله، حيث حرفوا ما جاء عن موسى وعيسى -عليهما السلام-.

- في الجهة الأخرى كان العرب قد حولوا دين إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- إلى مظاهر شركٍ ووثنية.

- لم يكن للعرب كيان ولا وزن بيْن الأمم على كل المستويات (الدينية - السياسية - العسكرية - الاجتماعية).

- امتلأت الأرض بالشرك والوثنية وعبادة غير الله والظلم والقهر للمستضعفين.

- بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- لإخراج البشرية كلها مِن الظلمات إلى النور: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36)، وقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى? عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحديد:9).  

- الجاهلية الوثنية تنتفض تنافح عن وثنيتها، فوقفت في وجه الدعوة الإسلامية بأساليب شتى.

- زيادة الصد والتكذيب والإيذاء والاضطهاد للمسلمين، حتى جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يبحث عن موطنٍ جديد للدعوة، والقرآن ينزل يصبره: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى? أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام:34).

- في هذه الأثناء وقعتْ حادثة على جانبٍ مِن الأهمية، وهي "حادثة الإسراء والمعراج"، وهي تشير إلى مكانة بيت المقدس في عقيدة المسلمين.

(2) وقفة لبيان أهمية بيت المقدس في عقيدة المسلمين مِن خلال رحلة الإسراء والمعراج:

أولًا: أن أرض بيت المقدس هي جزء مِن الأرض التي بارك الله فيها: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى? بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء:1).

ثانيًا: أن المسجد الأقصى هو أحد أعظم ثلاثة مساجد عند المسلمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى) (متفق عليه).

ثالثًا: أن بيت المقدس وقف على المسلمين في كل زمان، وقد كفر بنو إسرائيل أتباع الأنبياء السابقين، ولم يبقَ مِن المسلمين إلا أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).

رابعًا: أن إمامة البشرية انتقلتْ مِن بني إسرائيل إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته: (صلاة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء إمامًا مِن لدن آدم إلى عيسى -عليهما السلام-)، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).

خامسًا: أن الرسول محمدًا -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين مكلفون مِن رب العالمين بتحرير هذه الأرض المباركة مِن الذين غلبوا عليها واحتلوها منذ بضعة قرون: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:41).

(3) عود على الأحداث:

- عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن رحلة الإسراء والمعراج، والاستمرار في الدعوة والعمل لتمكين دين الله في الأرض، والإعداد لمراحل جعل ذلك أمرًا واقعًا، وليس مجرد عقيدة فحسب.

- الهجرة إلى المدينة وبناء اللبنة الأولى لدولة الإسلام التي ستتوسع بنورها وهديها إلى أمصار الأرض، ومنها أرض بيت المقدس وما حولها.

- مواجهة طواغيت الشرك القابعين على أرض الحرم الأول في مكة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) (التوبة:123). (عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- ورحمته العظيمة بأهل مكة بعد فتحها، حيث قال يومها: "اليوم يوم المرحمة").

- الإعداد لتطهير بيت المقدس والشام بعد تطهير الجزيرة العربية، بإرسال الجيوش لمواجهة المعتدين على الإسلام ومقدساته: (معركة مؤتة حيث مواجهة الروم سنة 8 هـ - غزوة تبوك وانسحاب الروم مِن تخوم الشام - عقد اللواء لأسامة بن زيد للسير إلى تخوم البلقاء مِن الشام لمواجهة الروم سنة 11 هـ - 632 م).

- وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأثناء، والخليفة أبو بكر -رضي الله عنه- يواصِل حمل الراية، وينفذ جيش أسامة، والروم ينسحبون.

- الخليفة أبو بكر -رضي الله عنه- يأمر بتسيير أربعة جيوش إلى أرض الشام وفلسطين.

- جيش أبي عبيدة -رضي الله عنه- يحاصر بيت المقدس سنة 16 هجرية، وفتحت بيت المقدس صلحًا.

- أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يحضر ليتسلم مفاتيح بيت المقدس، ويقول كلمته الشهيرة التي يجب أن تملأ أسماع وقلوب المسلمين على مرِّ الزمان: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".

(4) خاتمة:

- هكذا عادتْ بيت المقدس بعد سبعة قرون مِن الاحتلال الرومي على أيدي جيل العقيدة الصحيحة، الذي جعل قضية الدين هي أساس حياته ووجوده.

- يستحسن الرجوع إلى الموعظة الأولى والإشارة باختصار إلى ما جاء فيها مِن مواصفات جيل النصر والتمكين.

فاللهم مكِّن لدينك في الأرض، وطهِّر المسجد الأقصى مِن دنس اليهود.