الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 29 يناير 2018 - 12 جمادى الأولى 1439هـ

الأزمة الاقتصادية مِن منظورٍ إيماني

كتبه/ سعيد محمود 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإنه لا يخفى على بصيرٍ ما نزل بالناس مِن البلاء والغلاء مِن جراء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؛ بلاء وغلاء صار كثيرٌ مِن الناس على أثره ينامون مغمومين، ويستيقظون مهمومين، ينامون مغمومين لما أصابهم في يومهم الذي رحل وما كان فيه مِن المصائب، ويستيقظون مهمومين لما ينتظرهم مِن المصاعب.

فهو أمر قد شق على كثيرٍ مِن الناس؛ لا سيما الفقراء وأصحاب العيال والمعاناة، فالحقوق كثيرة، وقائمة المطالب طويلة، وذات اليد قليلة، حتى نصب الشيطان شراكه لكثيرٍ منهم؛ بداية مِن إفساد أخلاقهم، بنحو الكذب وخلف الوعد، ومرورًا بوسائل الاحتيال وأخذ الأموال بغير حق، وانتهاء باليأس والقنوط مِن رحمة الله الذي ربما يؤدي ببعضهم إلى الانتحار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

- الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، قضية مجتمعية خطيرة لها أثر عظيم على المجتمع المسلم، ولا بد مِن تضافر الجهود وتعاون الجميع -لاسيما أطرافها- لأجل تخفيف هذه المصيبة على النفوس، لا بد مِن تضافر الجهود بيْن كل الأطراف -الحكام والأمراء، والدعاة والعلماء، والتجار والأغنياء، فضلًا عن الفقراء-؛ فإن ذلك مِن أعظم أبواب التعاون علي البر والتقوى.

ومِن باب دور الدعاة، أحاول مِن خلال هذه الكلمات تقديم بعض النصح لأطراف الأزمة مِن خلال كلمةٍ أسبوعية، وأبدأ قائلًا:

إن الفقر محنة وبلاء، وألمه على النفس شديد، وكذلك الغنى فتنة ومحنة وبلاء، فالفقر والغنى كلاهما محنتان يمتحن الله بهما عباده، فيمتحن الفقير ليرى صبره، ويمتحن الغني ليرى شكره، قال -تعالى-: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)، وقال -تعالى- حكاية عن نبي الله سليمان -عليه السلام- لما أعطاه الملك: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) (النمل:40).

وربما هنا يأتي السؤال: أيهم أشد على النفس فتنة الفقر أم فتنة الغنى؟!

الجواب: تناول علماء الإسلام هذه المسألة، وتوسعوا فيها، وتوصل أكثرهم إلى أن فتنة الفقر أشد مِن فتنة الغنى، وهو ظاهر مِن تفضيل أكثرهم للفقير الصابر على الغني الشاكر، وتؤيده الأدلة الكثيرة في الشرع، ومِن أبرزها: كثرة تعوذ النبي -صلى الله عليه و سلم- مِن الفقر، ومنه قوله: -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ، أَوْ أُظْلَمَ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

وقال بعض السلف: "كاد الفقر أن يكون كفرًا!"، وهو يشير إلى ما يصاحب الفقر عادة مِن فساد أخلاق الناس، وحصول الذل والهوان، والضعف والاستضعاف للفقراء؛ فالأبواب في وجه الفقير مسدودة في الغالب إن لم تكن دائمًا، ولذلك يُؤثر عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: "لو كان الفقر رجلًا لقتلته!"، وهذا لما له مِن الآثار الشديدة على النفوس بما يؤدي إلى فتنةٍ كثيرٍ منهم، والتي ربما تصل إلى الكفر عند البعض منهم -والعياذ بالله-، حتى لخص بعض الفقراء مِن العامة قضيته في عبارة مشهورة بيْن الناس وهي: "الجوع كافر!".

مِن أجل ذلك أشارك بهذه الكلمات الأسبوعية مخاطبًا الجميع "لا سيما الفقراء"، مركّزًا على الجانب الإيماني، عسى الله أن يجعل مِن صوتي الضعيف سببًا للنفع والخير لقلوب بعض أطراف الأزمة.

فاللهم أصلح أحوال المسلمين، وارفع عنهم الغلاء والبلاء.