الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 16 أكتوبر 2017 - 26 محرم 1439هـ

مِن آداب الإسلام... دفع الالتباس والأوهام عن العقول والأفهام!

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن آداب الإسلام العظيمة التي أمر بها وحضَّ عليها: النهي عن كل ما يؤدي إلى التباس الحق بالباطل، واختلاط الأمور في عقول الناس وأفهامهم، والبُعد عن الألفاظ المشكلة والمجملة التي تحتمل معنى صحيحًا وآخر فاسد، أو تحتمل حقـًّا وباطلًا؛ فإن في الألفاظ ودلالاتها ما يغني عن ذلك.

قال الله -تعالى-: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) (البقرة:42).

وقال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا) (البقرة:104).

قال العلامة السعدي -رحمه الله-: "كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: (رَاعِنَا) أي: راع أحوالنا، فيقصدون بها معنى صحيحًا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدًا؛ فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة، سدًّا لهذا الباب؛ ففيه النهي عن الجائز، إذا كان وسيلة إلى محرم. وفيه الأدب، واستعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا الحسن وعدم الفحش، وترك الألفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمرٍ غير لائق؛ فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن، فقال: (وَقُولُوا انْظُرْنَا)، فإنها كافية يحصل بها المقصود مِن غير محذور" (تفسير السعدي).

وعن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا، حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ" (رواه البخاري).

وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلَامًا فَصْلًا، يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). "كَلَامًا فَصْلًا" أَيْ: مَفْصُولًا بَيْنَ أَجْزَائِهِ، وَوَاضِحًا.

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْتِيلٌ، أَوْ تَرْسِيلٌ " (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: "(تَرْتِيلٌ) أَيْ: تَأَنٍّ وَتَمَهُّلٍ مَعَ تَبْيِينِ الْحُرُوفِ وَالْحَرَكَاتِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ السَّامِعُ مِنْ عَدِّهَا (أَوْ تَرْسِيلٌ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. وَمَعْنَى التَّرْتِيلِ وَالتَّرْسِيلِ وَاحِدٌ". 

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فأصل ضلال بني آدم مِن الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة؛ ولا سيما إذا صادفتْ أذهانًا مخبطة؛ فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب؟! فسل مثبِّت القلوب أن يثبِّت قلبك على دينه، وأن لا يوقعك في هذه الظلمات" (الصواعق المرسلة).

فعلى المسلم أن يتكلم بالكلام الفصل، الظاهر الواضح، المبيّن للمراد؛ حتى لا يلتبس على مَن سمعه، ولا يذكر العبارات المحتملة أو المشكلة، التي تتضمن معانيَ متعددة، وإنما ينبغي التعبير بالألفاظ التي لا تحتمل إلا الحق والصدق والصواب؛ لأن الغرض إيصال الحق إلى الناس بأيسر عبارة وأوضحها حتى لا يكون هناك مجال لسوء الفهم والالتباس.

وصلى الله على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.