الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الجمعة 01 سبتمبر 2017 - 10 ذو الحجة 1438هـ

العيد... برٌ وعفو وإحسان

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الأعياد تعبِّر عن عقائد الأمم وأخلاقها، وفلسفة حياتها، فمِن الناس مَن لا يعرفون في الأعياد إلا الشهوات ومقارفة المحرمات، والسعي في الأرض بالانحلال والفساد؛ فلا حدود ولا فواصل عندهم بيْن الحلال والحرام، ولا في أعيادهم بر أو تراحم أو إخاء!

وأما أعياد أهل الإسلام فهي أعياد بر ووفاء، وعفو وإحسان وإخاء: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى) (متفق عليه).

وهي أعياد ذكر وشكر لله -تعالى- على إتمام العبادة، والتوفيق إلى ما يحبه ويرضاه؛ ففيها التوحيد لله الملِك الديان، والتهليل والتكبير والتحميد، والصلاة والسلام على خير الأنام -صلى الله عليه وسلم-.

وهذه المعاني الجليلة تتجلى أعظم ما تتجلى في "عيد الأضحى"، في هذا الموسم العظيم مِن مواسم الخير عند المسلمين، الذي يُقبِل فيه المسلمون على التزاور وصلة الأرحام، ويقبلون على ذبح الهدايا والأضاحي تقربًا إلى الله -تعالى-، ولا ينسون التصدق على الفقير المسكين، والمحتاجين مِن الأرامل واليتامى والمرضى والضعفاء، قال الله -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان:8).

ولا ينسون الإهداء إلى ذوي الأرحام والأصحاب والجيران.

فقد علموا أن مِن أخص معاني العيد: إدخال السرور على المسلمين وبرهم والإحسان إليهم، قال رسول الله: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ, وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ, أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً, أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا, أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

- وفي صلة الأرحام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (متفق عليه)، (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (رواه البخاري).

- وفي صلة الجيران والإحسان إليهم قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) (رواه مسلم)، وقال: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) (متفق عليه).

- وعيد الأضحى يسبقه يوم غفران الخطايا والذنوب "يوم عرفة": الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) (رواه مسلم)، والذي مَن صامه -مِن غير الحجيج-، كفـَّر الله عنه سنة ماضية وسنة مستقبلة، فيأتي بعد هذا اليوم العظيم الذي يفرح فيه جميع المسلمين مِن الحجيج وغيرهم بما نالوا مِن العطايا والهبات الإلهية الجليلة - يأتي بعده "يوم العيد"؛ ليكون بحق يوم فرحٍ وسرور، وسعادة بمغفرة الله -تعالى-، وتوفيقه لعباده.

فإذا كان الله -جل جلاله- يصفح عنا ويغفر لنا، فكيف لا نتراحم ونتغافر فيما بيننا؟! 

وهل يكون العيد عيدًا إذا خلا مِن العفو والصفح والمسامحة؟!

وهل يشعر بالعيد مَن كان في قلبه ضغينة أو قطيعة أو حسد أو غل لإخوانه المسلمين؟!

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ)، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: (صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). أي تحلق الدِّين. وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا) (متفق عليه).

وقال الله -تعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34)، فإذا لم نمتثل ذلك الآن "في هذا الزمن الفاضل العظيم" وندفع بالتي أحسن مع إخواننا في الإسلام؛ فمتى إذن؟!

- فـ"يوم العيد" يوم عفو ومغفرة؛ فمن أراد أن يعفو الله عنه ويغفر له، فليعفُ عن الناس ويغفر لهم: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)، ومَن أراد أن يصفح الله عنه؛ فليصفح هو عن غيره.

- ويوم العيد يوم فرح وسرور، غير أنه لا يجوز أن يكون يوم معصية واجتراءٍ على حرمات الله؛ بمشاهدة المحرمات، واستماع المعازف والغناء، والاختلاط المحرم، وما شابه ذلك.

تقبل الله منا ومنكم.

"الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".