الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 23 يوليه 2017 - 29 شوال 1438هـ

لا تقتلوا الأمل (2)

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا أننا في هذه الحقبة التاريخية في أمس الحاجة إلى أن نعيش الحياة، وكلنا أملٌ في الله -عز وجل-؛ لا سيما مع كثرة الهزائم المتتالية التي تتعرض لها الأمة، ومع ارتفاع نسبة الفقر، وارتفاع الأسعار، وانتشار الأمراض، وزيادة الهموم؛ لا بد أن نعلم أن الحياة لا تستقيمُ لأَحدٍ علَى حالٍ، ولا تَصْفُو لمخلوقٍ مِنَ الكَدَرِ؛ فَفِيها خيرٌ وشرٌّ، وصلاحٌ وفسادٌ، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

ولقد حرَّم الله -تعالى- اليأس واعتبره قرين الكفر، فقال -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87).

وندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال، فقال -تعالى-: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:56).

هل تأملنا قصة يعقوب -عليه السلام-، فقد فَقَدَ ابنَهُ يوسفَ -عليه السلام- ثُمَّ أخاه، ولكنَّه لم يتسرَّبْ إلى قلبِهِ اليأسُ ولا سَرَى في عُروقِهِ القُنوطُ، بل قالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:83).

وما أجَملَهُ مِنْ أَمَلٍ تُعَزِّزُهُ الثِّقَةُ باللهِ -سبحانه وتعالى- حينَ قالَ: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87).

وهذا سيدنا زكريا -عليه السلام-: قال الله -تعالى-: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا . قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا . وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم:2-6)، فاستجاب له ربه: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (مريم:7).

وأيوبُ -عليهِ السلامُ- ابتلاهُ ربُّه بِذَهابِ المالِ والوَلَدِ والعافِيَةِ، ثُمَّ ماذا؟ قال الله -تعالى-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:83-84).

ويونس -عليه السلام- قد ابتلعه الحوت: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:87-88).

والإنسان بطبعه يحب البشرى وتطمئن إليها نفسه؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا) (متفق عليه).

وقَدْ بشَّرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بانتصارِ الإسلامِ وظُهورِهِ مَهْما تكالبَتْ عليهِ الأعداءُ، قال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران:140).

فدوام الحال مِن المحال: "دولة الإسلام مع الظلم تزول، ودولة الكفر مع العدل تطول"؛ فكيف إذا اجتمع الكفر والظلم؟!

إننا بحاجة أن نتدبر آيات واضحات: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص:58)، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) (الكهف:59).

أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمل حتى في آخر لحظة، فعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنْ قامَتِ السّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِن اسْتَطَاعَ أنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَها فلَيَغْرِسْها) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

سيعود الإسلام بعد غربته التي طالتْ.

نعم سيعود -بإذن الله تعالى-.

فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا،ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

نعم سيعود، فلا تقتلوا الأمل، ولكن علينا بالعمل والأخذ بالأسباب.

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف:18).