الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 11 يوليه 2017 - 17 شوال 1438هـ

لا تقتلوا الأمل! (1)

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنحن في أمس الحاجة إلى أن نعيش الحياة، وكلنا أملٌ في الله -عز وجل-؛ لا سيما مع كثرة الهزائم المتتالية التي تتعرض لها الأمة، ومع ارتفاع نسبة الفقر، وارتفاع الأسعار، وانتشار الأمراض، وزيادة الهموم.

لا بد أن نعلم أن الحياة لا تستقيمُ لأَحدٍ علَى حالٍ، ولا تَصْفُو لمخلوقٍ مِنَ الكَدَرِ، فَفِيها خيرٌ وشرٌّ، وصلاحٌ وفسادٌ؛ ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

لقد حرَّم الله -تعالى- اليأس، واعتبره قرين الكفر، فقال -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87).

وندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال، فقال -تعالى-: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:56).

واليأْس فيه سوء أدب مع الله -عز وجل-: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) (الإسراء:83).

واليأس سبب لفساد القلب؛ قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يعدِّد الكبائر: "الكبائر: القنوط مِن رحمة الله، واليأْس مِن رَوح الله، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا مِن الزنا وشرب الخمر، وغيرهما مِن الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها؛ وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن".

ولقد عاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على الذين ينفـِّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية دائمًا، ويصيبون الناس بهزيمةٍ نفسيةٍ، فقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) (رواه مسلم).

وفي الهجرة مِن مكة والنبي -صلى الله عليه وسلم- خارج مِن بلده خروج المطارَد المضطهد الذي يغيِّر الطريق، ويأوى إلى الغار، ويسير بالليل، ويختفي بالنهار، وانظر إليه حينما يلجأ إلى غار ثور في هجرته مع صاحبه الصِّديق، ويقتفي المشركون آثار قدميه، ويشتد خوف الصديق على صاحب الدعوة وخاتم النبيين، ويقول: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا"، فَقَالَ: (مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه).

وفي الطريق يلحقه الفارس سراقة بن مالك، وهو يتمنى أن يفوز بجائزة قريش، ولكن قوائم جواده تسوخ في الأرض ويدركه الوهن، وينظر إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقول له: "يا سراقة، كيف بك إذا ألبسك الله سواري كسرى؟"، فيعجب الرجل ويبهت، ويقول: كسرى بن هرمز؟ فيقول: "نعم!".

وهذا إبراهيم -عليه السلام-، قد صار شيخًا كبيرًا ولم يُرزق بعدُ بولدٍ، فيدفعه حسن ظنه بربه أن يدعوه: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات:100)، فاستجابَ له ربُّهُ ووَهَبَ لهُ إسماعيلَ وإسحاقَ -عليهما السلام-، وموسى -عليه السلام- حين يسري بقومه لينجو بهم مِن فرعون وجنوده، فيعلمون بسراه، ويحشدون الحشود ليدركوه: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ . فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء:60-61).

وأي إدراك أكثر مِن هذا؟!

البحر مِن أمامهم، والعدو مِن ورائهم!

بيد أن موسى -عليه السلام- لم يفزع ولم ييأس، بل قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء:62)، ولم يضع أمله سُدى (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ . وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (الشعراء:63-67).

ونستكمل في المقال القادم -بمشيئة الله تعالى-.