كتبه/ نصر رمضان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الغفلة داءٌ عضال، ومرض فتاك؛ أهلك الماضين، وصرف عن الله الكثيرين، وأرداهم الموت فكانوا مِن الخاسرين، سهوا عن طلب النجاة لأنفسهم، وغفلوا عن التزود للقاء ربهم، فاستيقظوا مِن غفلتهم وهم مُوسَّدين في قبورهم، مُرتَهَنين بأعمالهم، يتمنى الواحد منهم أن يرجع إلى الدنيا كي يقدِّم لنفسه زادًا عندما تُنشَر صحيفته، ويفضح بيْن الخلائق بما قدَّم مِن مساوئ عمله.
إنها الغفلة التي طمست العقول, وأفسدت القلوب, فأشغلت العبد عن ربه, وعن طاعته, وعن ذكره, وعن التوبة إليه, وعن المرجع والمصير: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ . مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ . لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (الأنبياء:1-3).
فالدنيا تتقلب بأهلها، فلا تُبقي أحدًا على حال، العيش فيها مذموم، والسرور فيها لا يدوم، يعرف حقيقتها المُحاسِب لنفسه، المُبادِر إلى رضا ربه، فمَن صفَّى صُفِّي له، ومن كدَّرَ كُدِّر عليه، ومَن أحسن في ليله كُوفِئَ في نهاره، ومَن أحسن في نهاره كوفِئَ في ليله، ومَن سَرَّه أن تدوم عافيته فليتق الله ربه؛ فالبرُّ لا يبلى، والإثمُ لا يُنْسى، والدَّيَّان لا يموت، وكما تدين تُدان.
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن قوَّامٌ على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على أقوام حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وشقّ الحساب على أقوام يوم القيامة أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة، فحاسِبوا أنفسكم رحمكم الله، وفتشوا في قلوبكم".
فيا حليف النوم والوسادة، ويا أسير الشهوات وقد نسي مَعَادَه، يا قليل الزاد مع قُربِ مماته، أما آن لك أن تفِيق من تلك الرُقَادة، لقد ربح القوم وأنت نائم، وَخِبْتَ ورجعوا بالغنائم، بالليل نائم وبالنهار هائم، وتعيش عيش البهائم، ثم تدعي أنك فاهم وأنتَ لا شك واهم.
يا مَنْ شاب وما تاب، أموقنٌ أنت أم مُرْتاب؟! مَنْ آمن بالسؤالِ فليُعدَّ له جواب، وللجواب صواب.
يا مَنْ كلما طال عمره زاد ذنبه، يا مَنْ كلما ابيض شَعْرُه اسوَّدَ بالآثام قلبه، يا مَنْ ضيَّعَ عمرَه في غير طاعة، يا مَنْ بضاعته التسويف والتفريط فَبِئْسَت البضاعة؛ إلى متى هذا التسويف؟ ولا ينفعُ فيك وعظٌ ولا تعنيف، إذا وُعِظت لم تنتفع، وإذا رُدِعْتَ لم ترتدع، وإذا لم تجد جوابًا قلتَ لم أقتنع!
هذا كتاب الله لو أُنزل على جبلٍ رأيته يتصدع، ومع ذلك فلا قلبٌ لك يخشع، ولا عينُ تدمع، أين الخشوع والخضوع؟!
أين البكاء وجَرَيانُ الدموع؟!
أين التوبةُ والرجوع؟!
إلى متى التقصير وإلى البِلى المصير؛ أو ما علمت أن العمر قصير، ولم يبقَ منه إلا اليسير؟!
فتزَوَّد للسفر الطويل، ولا تتكلم بغير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير، ولا يشغلنك أحدٌ عن جد المَسِيْر، ولا تُضَيِّعُ الأوقات النفيسة في الأفعال الخسيسة.
الدنيا ساعة؛ فاجعلها طاعة، والنفس طماعة؛ فَرَوِّضْهَا القناعة.