الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 01 فبراير 2017 - 4 جمادى الأولى 1438هـ

سمات العمل المؤسسي (5)

كتبه/ أحمد عبد الحميد عنوز

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ومِن سمات العمل المؤسسي:

?- الاعتماد على لوائح منظمة للعمل ومسارات إدارية وتنظيمية واضحة:

حينما تتعدد أهداف المؤسسة، وتتسع نطاقات عملها ويزداد عدد العاملين وفرق العمل بها؛ يلزم مِن ذلك وجود مساراتٍ إدارية وتنظيمية واضحة للجميع، خاصة مع تعقّد هياكل العامل وتقاطعها في عدة نقاط؛ مما يؤدي إلى وجود مشكلات تتعلق بعدم وضوح التوصيف الوظيفي الدقيق، والصلاحيات والواجبات، أو مسارات المعلومات والقرارات صعودًا وهبوطـًا في الهياكل الإدارية، وهذا يؤدي إلى أنواع مِن النزاعات، نتيجة تضارب المصالح والصلاحيات المتاحة، وتفاوت فهم العاملين للقواعد الإدارية العامة أو الثقافة التنظيمية المعتمدة في المؤسسة.

كل ذلك يؤكد على وجود الحاجة إلى لوائح دقيقة توضِّح التوصيف الوظيفي، والعلاقات الإدارية داخل المستوى الإداري الواحد، وبيْن المستويات الإدارية المختلفة؛ بالإضافة إلى ضرورة وجود لوائح محددة تختص بفض المنازعات الإدارية وغيرها، وكذلك لوائح للثواب والعقاب، والترقي أو التخفيض الوظيفي في السلك الإداري.

واللوائح المنظِّمة للأعمال الجماعية تنشأ محدودة، ويغلب عليها الإجمال مع بداية العمل، ثم تتطور مع تطور العمل ونموه، لكن وجودها مِن البداية ضرورة لا غنى عنها.

ومع زيادة الأفرع والنشاطات والإدارات داخل المؤسسة الواحدة يلزم وجود لوائح إجرائية ونظامية خاصة بكل فرع أو إدارة تتسق مع اللوائح العامة للمؤسسة وثقافتها التنظيمية ومنظومة القيم الخاصة بها.

إن مؤسسة تريد الاستقرار والنمو والتطور وحسن الأداء والعلاقة بيْن العاملين لا ينبغي أن يغيب عنها هذا المكون الأساسي الذي يميز عمل المؤسسات وهو اللوائح المنظمة.

والمؤسسات الدعوية التي تعتمد على المطاوعة وحب الخير والبذل والتضحية مِن الجميع إذا لم تعتمد لوائح منظمة واضحة، ومُلزمة للجميع؛ فهي عُرضة للتفكك وكثرة النزاعات المؤذِنة بانهيار المؤسسة، ولن يشفع لها حينئذٍ وجود رموز ومرجعيات شرعية وقيادات محبوبة يلتف حولها الجميع؛ فالسنن الكونية لا تحابي أحدًا.

والغرض مِن اللوائح المنظِّمة هو ضبط العمل ومنع أسباب الخلاف، ولكنها في نفس الوقت ينبغي أن يكون بها قدر مِن المرونة التي تراعي الواقع وتغيُّرِه وتَشابُكِه؛ فتدور بيْن الضبط والإحكام الذي يَمنع العشوائية، والمرونة التي تسمح بالتطوير والنمو وتحقيق الأهداف؛ لا سيما مع تغير الواقع، ولا بد أن تراعي طبائع البشر وما قد يعتريهم مِن نشاطٍ أو فتور، ودقة وخطأ.

وقد تكون القواعد المنظِّمة متعارفًا عليها وتنتقل إلى العاملين وبيْن الأجيال بصورة شفهية وبالاحتكاك المباشِر، لكن هذا لا يُغني عن تدوينها لضبط ألفاظها ولوازمها، وحتى يمكن نقلها إلى جميع العاملين بنفس درجة الدقة، وكذلك إلى العاملين مِن الأجيال المتعاقبة، وحتى لا تترك لتباين الأفهام والإدراك، وحتى يمكن تطويرها مع الوقت وتصحيح ما قد يعتريها مِن أخطاء؛ لكونها في النهاية عملًا بشريًّا ناقصًا مهما بلغت درجة إتقانه.