الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 14 نوفمبر 2016 - 14 صفر 1438هـ

مقدمة حول العلوم الإدارية وتطبيقاتها ومجال الإدارة الإسلامية

كتبه/ أحمد عبد الحميد عنوز

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن العاملين في مجال الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- في عصرنا الحديث -لا سِيّما الأعمال ذات الطابع الجماعي- يجدون أنفسهم مضطّرين إلى التواصل مع العلوم الإدارية الحديثة، التي تطورت كفنٍ مستقل عبْر السنين الطويلة الماضية كحاجة بشرية مُلِحّة لإدارة الموارد البشرية والمالية؛ لا سِيّما مع كثرة التحدّيات التي يواجهها العمل الإسلامي، خاصة تلك التي تتعلق بمواجهة المخططات التي يدبرها أعداء الدين لهدم عُراه وتذويب هوية المسلمين، كذلك مع اتساع رقعة انتشار الإسلام في المجتمعات، والتي بطبيعتها لها احتياجاتها الدائمة، وعلى رأسها: تبليغ الدِّين، وصياغة واقع حياة الناس وفق قواعده الربّانيّة وضوابطه الشرعية.

ثم إن مجال العمل التطوعي يختلف بطبيعته عن الأعمال النظامية التي تستند إلى سلطة القانون واللوائح الإدارية المنضبطة، وآليات الثواب والعقاب الواضحة؛ فضلاً عن كون العمل التطوعي -غير الهادف للربح- يختلف في أهدافه وآلياته، ومعايير نجاحه عن الأعمال التجارية الهادفة للربح.

كل هذا جعل أغلب المواد التعليمية والتثقيفية المتاحة للتداول بعيدة في أهدافها وآلياتها وطرق تطبيقها وأمثلتها العملية -فضلاً عن لغتها المستخدمة- بعيدة بدرجة كبيرة عن الاستفادة منها؛ مما جعل الكثيرين يُعرِضون عن علوم الإدارة الحديثة لما فيها مِن حشوٍ وتعقيد وإِغرابٍ في كثير مِن الأحيان.

إن التحدي المادي الذي واجهته الدول في طريق تطوير مواردها وأسباب قوتها، وازدهارها الحضاري، وتحقيق النفع العام لأبنائها، وكذلك الرغبة الدائمة لذوي الأهداف الربحية في توسعة أنشطتهم وزيادة أرباحهم؛ كل ذلك ساق المجتمعات الغربية -خاصة الأمريكية ثم الأوروبية- في تطوير علوم الإدارة التي نشأت كسائر العلوم كمجموعة مِن المهارات العملية المكتسبة والخبرات المتراكمة عند أصحابها، ثم دخلت مرحلة التنظير وجمع هذه المهارات في منظومات ثقافية وتنموية، تتيح نقل الخبرات والاستفادة منها وتطويرها، وتلافي أخطاء الماضي في سبيل تطوير مجالات ونطاقات العمل المتنوعة.

لذلك لم يكن مستغرَبًا أن تجد هذه المجتمعات قد قطعت أشواطـًا بعيدة في تطوير أسباب بقائها وازدهارها حضاريًّا، مما مكّنها مِن التغلب على العديد مِن المجتمعات الضعيفة التي غفلت عن هذه المهارات والعلوم، وهكذا تحوَّل هذا العِلم الإنساني -الذي هو هداية مِن علم الله سبحانه- إلى أداة ناجعة ومؤثِّرة في أيدي كل مَن سعى إليها واستخدمها، بغض النظر عن نصيبه في الآخرة؛ فأنت تجد المجتمعات الغربية التي طوّرت آليات إدارة مجتمعاتها ترتقي سريعًا في عالم القوة المادية، بينما يكاد يكون نصيب مجتمعاتنا المُسلِمة هو التبعية التامة، اقتصاديًّا وسياسيًّا وتكنولوجيًّا، وما يستتبعه ذلك مِن تبعية القِيَم والمُثُل التي يجد الطرف الضعيف نفسَه في مجالها مهزومًا نفسيًّا، متتبعًا خطوات الغالِب حذو القذة بالقذة؛ مما يهدد هوية مجتمعاتنا المُسلِمة، فضلاً عن بقائها في صراع الوجود الطاحن.

والناظر في تاريخنا الإسلامي يجد سلوكيات إدارية وقيادية ومهارات فائقة، لم تجد مَن يخدمها ويقدِّمها في قوالب نظرية تعليمية تفيد الأجيال المتلاحقة! والتي تحتاج إلى الاسترشاد بنور النبُوّة وسنن الأنبياء والصالحين في قيادة الأمم وإدارتها؛ تجد ذلك مبثوثًا في قصص الأنبياء، وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهَدْي "الخلفاء الراشدين"، وسِيَر القادة المتميزين عبْر التاريخ.

لم يجد هذا التراث العملي الضخم سوى التشويه المُتعمَّد مِن قِبَل المستشرقين؛ مما جعل هذا بوابة واسعة لترسيخ الهزيمة النفسية في نفوس أبنائنا -خاصة أبناء الصحوة الإسلامية- الذين يريدون الخير لمجتمعاتهم، ولكن يواجهون عقبات عِدّة.

مِن أهمها: ضعف القدرة على إدارة تجمعاتهم، واستغلال مواردهم المتنوعة؛ فضلاً عن الغفلة عن القيمة النسبية النبيلة في معايير وأهداف وضوابط الإدارة مِن المنظور الإسلامي.

وهدفنا في هذه السلسلة -مِن المقالات التالية إن شاء الله- هو: إلقاء الضوء على مفاهيم الإدارة الحديثة، وآلياتها وتطبيقاتها، مع الاسترشاد بنور الوحي، بِلُغَة سهلة غير معقّدة، تتيح للعاملين في المجال الدعوي والخدمي العام التطوعي أن يقفوا على خطة رشد لتنظيم مجهوداتهم، وتطوير النموذج الإداري الخاص بهم وفق المعايير الشرعية، مع الاستفادة الكاملة مِن الجهود التي بذلها المسلمون وغيرهم في مجال تطوير علم الإدارة.

واللهَ نسأل أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يوفق كلَّ مَن أراد الخير لهذه الأمة إلى ما فيه صلاحها ورشادها.

وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.