الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 14 نوفمبر 2016 - 14 صفر 1438هـ

تركيا التي لا نعرفها (12)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

"تركيا" وثورات "الربيع العربي":

شهدت حكومة "أردوغان" الثالثة ظهور الثورات العربية المطالِبة بالحرية والكرامة، وكان مِن الطبيعي أن تؤيدها تركيا وترحب بها؛ لذا بادر "أردوغان" بإرسال وزير خارجيّته -وقتَها- "أحمد داود أوغلو" إلى "تونس" في زيارة رسمية في فبراير 2011م، أي بعد شهر واحد مِن نجاح الثورة، كما قام (عبد الله جول) -رئيس الجمهورية التركية- بزيارة "مصر" في 4 مارس 2011م، فكان أول رئيس جمهورية يزور "مصر" بعد الثورة.

وقام "أردوغان" شخصيًّا باستقبال وفد مِن شباب ثورة "25 يناير" في يونيو 2011م على هامش مؤتمر جماهيري في "إسطنبول"، حيث سلّمه الوفد دِرعًا تقديرًا لدعم تركيا للثورة المصرية، كما أعلنت "تركيا" تأييدها للثورة في "ليبيا"، ودَعَت إلى تحقيق مطالبها، وعارضت التدخل الغربي هناك رغم كونها عضوًا بحلف الأطلنطي، وفي أوائل يوليو 2011م جمّد الرئيس التركي "عبد الله جول" كافة أرصدة "القذافي" وعائلته في البنوك التركية.

ونظرًا لحساسية العلاقات مع "سوريا" والتي تمتد حدودها مع "تركيا" بطول 800 كيلو متر، ويسكنها "أكراد" يُعَدون كامتداد لأكراد تركيا المطالبين بالاستقلال الذاتي، كما أن في تركيا أقليّة علَويّة -أي تنتمي طائفيًّا إلى طائفة بشار الأسد-؛ فقد سعى "أردوغان" إلى تحسين العلاقات مع "سوريا" بعد توَلّيه الحكم؛ لإزالة التوتر القائم بيْن البلدين، فلما قامت الثورة الشعبية السورية ضد نظام حكم "بشّار" اتخذ "أردوغان" موقفًا محايدًا مع مطالبة "بشّار" بالاستجابة لمطالب الشعب.

وفي مواجهة المجازر التي ارتكبها "بشّار" ضد شعبه، والاستنكار العالمي لها؛ دعمَّت "تركيا" المعارضة السورية، واستقبلتْ قادتها الذين أشادوا بموقف تركيا المسانِد، كما فتحت "تركيا" حدودها أمام اللاجئين السوريين الفارّين مِن الاضطرابات التي تشهدها "سوريا"، لتتحول "تركيا" مع مرور الوقت إلى لاعب أساسي فيما يجري في "سوريا".

وبالنسبة للثورة اليمنية: فقد أيدتها "تركيا"، ورحّبت بالمبادرة التي اقترحها مجلس دول التعاون الخليجي لإنهاء الأزمة اليمنية، وعَبّرت عن أسفها لرفض الرئيس اليمني "علي عبد الله صالح" التوقيع عليها.

"أردوغان" رئيسًا للجمهورية:

خاض "أردوغان" الانتخابات الرئاسية في أغسطس عام 2014م، وهي أول انتخابات رئاسية بالانتخاب الشعبي المباشر؛ ففاز بها ليكون الرئيس الثاني عشر لتركيا، وتولى مهام منصِبه الجديد في 28 أغسطس 2014م.

وقد بنى "أردوغان" برنامجه الانتخابي للرئاسة على أنه سيؤسس الجمهورية الثانية لتركيا، والتي تقوم على:

- التخفيف مِن غلو العلمانية المتطرفة (العلمانية الفرانكوفونية) التي انتهجها "أتاتورك" وتبنّاها "الكماليون" من بعدِه، والتي تعادي الدين والقوميات غير التركية، وتحويلها إلى علمانية غير مُعادِية للدين أو القوميات غير التركية (العلمانية الأنجلوساكسونية، أو العلمانية المؤمنة)، أي: مصالحة الأتراك مع تاريخهم العثماني ومع الإسلام الذي همّشه "أتاتورك" و"الكماليون".

- إبقاء الجيش بمنأى عن السياسة، وتطوير التجربة الديمقراطية، والتقدم في تطبيع الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا.

- وأكّد "أردوغان" في حملته أيضًا على رفضه لتغلغل المنظّمات التي تستغل الدين داخل الدولة، وتشكيلها دولة موازية، في إشارة إلى المنظمة التي يتزعمها "فتح الله كولن"، وندّد بالمعارضة التي تتعاون مع هذه الدولة الموازية.

التكريم العالمي لأردوغان:

بالإضافة إلى حُبّ غالبية الأتراك لأردوغان، وثقتهم في قيادته -ولذا أعطوه أصواتهم في كل الانتخابات التي خاضها-، فقد حظى "أردوغان" بتكريم عالمي مِن جهات كثيرة، منها:

- تكريم مِن قِبَل "الأمم المتحدة" على ما قدَّمه لمدينة "إسطنبول" فترة ولايته عليها.

- حصوله على "وسام التتار" مِن رئيس الوزراء الروسي (فلاديمير بوتين) عام 2006م.

- حصوله على جائزة (رعاية الحوار بين الثقافات) من الرئيس التتري (منتيمير شايمييف) عام 2007م.

- حصوله على جائزة (الحوار والسلام) مِن "المنتدى الروماني" عام 2007م.

- حصوله على جائزة "هيرميس كريستال" مِن المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) عام 2007م.

- حصوله على جائزة "أجريكولا" مِن (منظمة الأغذية والزراعة العالمية) عام 2007م.

- حصوله على وسام "الشرف الرفيع" من دولة (باكستان) في أكتوبر 2009م.

- حصوله على جائزة "الحريري" من (جمعية رفيق الحريري اللبنانية) في مارس 2010م.

- حصوله على "نوط الجدارة" من دولة (جورجيا) في مايو 2010م.

- حصوله على "الميدالية الذهبية لاستقلال كوسوفا"، وهي أعلى وسام في دولة (كوسوفا)، في نوفمبر 2010م.

- منحته (المملكة العربية السعودية) "جائزة الملك فيصل" العالمية لخدمة الإسلام في عام 2010م - 1430 هجريًّا.

- منحته دولة (الكويت) جائزة "شخصية عام2010م الإسلامية".

- سلمته مؤسسة القذافي العالمية لحقوق الإنسان (جائزة القذافي لحقوق الإنسان) خلال الحفل الذي نظمته بطرابلس في نوفمبر 2010م، وذلك خلال زيارته لليبيا للمشاركة في القمة الإفريقية الأوروبية الثالثة، بصفته ضيف شرف بدعوة رسمية مِن القذافي.

- اختياره ليكون "رجل عام 2010م" في التصويت الذي أجراه موقع وكالة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية.

- منحه شهادة "دكتوراه فخرية" مِن (جامعة أم القرى) بمَكّة، في مجال خدمة الإسلام بتاريخ 23-3-1431هجريًّا.

- فوزه بـ"وسام التميز" لأكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم خلال التصويت الذي أجراه (المجلس الدولي لحقوق الإنسان والتحكيم والدراسات السياسية والإستراتيجية).

الانتخابات البرلمانية في يونيو 2015م:

خاض (حزب العدالة والتنمية) هذه الانتخابات بزعامة (أحمد داود أوغلو)، ورغم حصول الحزب على 49.4% مِن أصوات الناخبين؛ إلا أنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة مِن مقاعد البرلمان، حيث حصل على 260 مقعدًا مِن إجمالي 550 مقعدًا.

وكانت هذه النتيجة مفاجِئة للحزب؛ لأنها:

- تعد أقل عدد مِن المقاعد حصل عليها الحزب في تاريخه؛ إذ حصل على 363 مقعدًا في عام 2002م، وعلى 341 مقعدًا في 2007م، وعلى 326 مقعدًا في 2011م.

- لا تكفي للانفراد بتشكيل الحكومة، فيلزم أن تكون الحكومة ائتلافية.

- تعني ضياع فرصة الحزب -بفقد الأغلبية- في إجراء ما كان يتطلع إليه من صياغة دستور جديد في البلاد، وتحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي بدلاً مِن النظام البرلماني.

- فهي فوز بطعم الخسارة.

وقد أسفرت هذه الانتخابات عن:

- دخول حزب الشعب الجمهوري (25% من الأصوات)، وحزب الحركة القومية (82 مقعدًا) البرلمان.

- وكذلك دخول حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) -ولأول مرة- للبرلمان، إذ حصل هذا الحزب الكردي على 13% من الأصوات وعلى 78 مقعدًا في البرلمان، مما يعد انتصارًا للأكراد لم يعرفوه مِن قبْل.

وقد قام "أحمد داود أوغلو" -رئيس حزب العدالة والتنمية- بتشكيل الحكومة الائتلافية، بضم شخصيات برلمانية من المعارضة، ولكن سرعان ما أعلن عن عدم إمكانية استمرار الحكومة الائتلافية، فكانت الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة مُبكّرة، في نوفمبر مِن نفس العام 2014م.

الانتخابات البرلمانية المُبكّرة في نوفمبر 2015م:

أسفرت هذه الانتخابات المُبكّرة عن حصول (حزب العدالة والتنمية) على الأغلبية (317 مقعدًا)، تمكِّنه مِن الانفراد بتشكيل الحكومة منفردًا مِن جديد، ودخل معه البرلمان الحزب الجمهوري (134 مقعدًا)، والحزب الشعوبي الكردي (59 مقعدًا)، وحزب الحركة القومية (40 مقعدًا).

وكانت مفاجأة هذه الانتخابات في تقدم حزب الشعوب الكردي على الحركة القومية.