الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 25 سبتمبر 2016 - 24 ذو الحجة 1437هـ

عشرة أسباب للثبات على الدين (1)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

تمهيد:

فإن حاجة المسلم اليوم لأسباب الثبات على الدين والتمسُّك به ماسة جدًّا؛ لانتشار الفتن، وقلة الناصر، وغُربة الدين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (بَلْ مِنْكُمْ) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني).

ولذا كانت هذه الكلمات التي عنوانها: "أسباب الثبات على الدين"، نتناول مِن خلالها عشرة أسباب للثبات على الدين، وأولها:

(1) الإقبال على القرآن العظيم

إن مِن أعظم أسباب الثبات على دين الله: الإقبال على القرآن "حفظـًا، وتلاوةً، وعملاً، وتدبرًا"؛ فهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، مَن تمسك به عصمه الله، ومَن أعرض عنه ضل وغوى.

- ولقد أخبرنا ربنا -تبارك وتعالى- أن الغاية التي مِن أجلها أنزل هذا القرآن مفرقًا، هي التثبيت للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32).

- وأخبرنا -سبحانه وتعالى- أن القرآن سبب الهداية، والهداية نعمة وثبات، قال الله -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء:9).

- وأخبرنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أن القرآن يطهـِّر القلوب، ويزيل عنها الهموم والمكدرات التي تؤثر على الثبات، فقال: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي) (رواه أحمد، وصححه الألباني)

- ووصفت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن بأجمل وصف، فقالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ" (رواه أحمد ومسلم وأبو داود).

- ومَن عاش مع القرآن وتدبره؛ زاده ذلك إيمانًا، وزيادة الإيمان تزيد الإنسان تثبيتًا.

انظر متدبرًا إلى قوله -تعالى-: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) (الحاقة:11)، والآية تتحدث عن المؤمنين مِن قوم نوح -عليه السلام-، ومع ذلك قال الله -تعالى-: (حَمَلْناكُمْ) بكاف المخاطبة، والمخاطب في القرآن هم أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ إشعارًا للمؤمنين بأن الله سينجيهم مِن الكفار كما نجَّى مَن كان قبْلهم مِن إخوانهم المؤمنين.

- وهكذا لمن تدبر القرآن؛ يخرج بالفوائد التي تزيد الثبات والإيمان.

وكلما استزاد المسلم مِن القرآن وعلومه -"ومِن علوم القرآن: العلم بالمكي والمدني، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والأمثال، ووجوه القراءات، والبلاغة، وغير ذلك، وذلك يزيد الإنسان إيمانًا، وبالتالي ثباتًا"-، وعمل بأحكامه، وأقبل عليه "حفظًا وتلاوةً، وعملاً، وتطبيقًا"؛ كان ذلك مِن أعظم أسباب الثبات.

نسأل الله أن يملأ قلوبنا بالقرآن، ويجعله لنا شفيعًا.

(2) دراسة وتدبُّر قصص الأنبياء

إذ إن مِن أعظم أسباب الثبات على دين الله: دراسة وتدبر قصص الأنبياء -عليهم السلام-؛ فقد تعرضوا -عليهم السلام- لكل أنواع المحن والشدائد، والتي إذا علمها المسلم كانت سببًا في ثباته على دين الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود:120).

- ولقصص القرآن عمومًا "وقصص الأنبياء خصوصًا" أهداف عظيمة كلها تعين المسلم على الثبات على دين الله -عز وجل-، ومنها:

1- تخفيف شدة البلاء على المسلمين، فقد أُصيب به مَن كان قبلكم: قال الله -تعالى-: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ . أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) (الذاريات:52-53).

2- التبشير بنصر الله الذي لا بد أن يكون لمن اقتدى بهم: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام:34)، وقال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجرِمِينَ) (يوسف:110).

3- الاقتداء بهم -عليهم السلام-: قال الله -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام:90)، وغير ذلك مِن الفوائد العظيمة.

ولقد تعرضوا -عليهم السلام- لكل ألوان البلاء، وكان موقفهم أعظم ما يُقتدى به.

- انظر إلى نبي الله نوح -عليه السلام-، وطول زمن الدعوة مع عدم اليأس.

- وانظر إلى نبي الله هود -عليه السلام-، ومواجهته أصحاب القوة المادية المتفردة.

- وانظر إلى نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، وهو يواجِه عُبَّاد الأصنام والكواكب والأوثان.

- وانظر إلى نبي الله يونس -عليه السلام- حيث تعطينا قصته درسًا في عدم اليأس مِن الدعوة والمدعوين.

- وانظر إلى نبي الله أيوب -عليه السلام-، وقصة الصبر على البلاء وشدة القضاء.

وانظر إلى نبي الله يوسف -عليه السلام- وهو يواجِه الفتن المتتابعة المتنوعة؛ مِن فتنة البئر إلى القصر، وفتنة النساء إلى السجن، وغير ذلك مما جاء في قصته العجيبة!

- وانظر إلى نبي الله موسى -عليه السلام- وهو يواجِه الفراعنة، وانظر إليه وهو يعاني مع الأصحاب والأتباع المخالفين المخذلين على الدوام.

- وانظر إلى نبي الله عيسى -عليه السلام-، وهو يواجه تكذيب اليهود، ومحاولة القتل وفتنة قومه مِن بعده إلى أن يعود إليهم قبْل يوم القيامة.

- وانظر إلى سيد النبيين والدعاة إلى الله "محمد -صلى الله عليه وسلم-" وجهاد الدعوة الذي جمع كل ألوان المحن والشدائد التي مرَّ بها الأنبياء أجمعين.

كل هذا كفيل لمن تدبره أن يثبِّت أعظم الثبات، وصدق الله -تعالى- حين قال: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف:111).

فيا أولي الألباب... عليكم بقصص الأنبياء ففيه الهدى والثبات.

نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه، وأن يجمعنا بالنبيين في جنات النعيم.