الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 25 يوليه 2016 - 20 شوال 1437هـ

الجهاديون الإفريقيون... والقاعدة (3)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالمراد بالجهاديين الإفريقيين: مَن يعتنق فكر الجهاديين مِن الإفريقيين المسلمين، وغالبهم يحملون فكر تنظيم القاعدة ويحذون حذوه، وهم غير معروفين على وجه التحديد إلا مَن شارك منهم في حمل السلاح مع التنظيمات الجهادية المسلحة في إفريقيا.

ويرجع ظهور هؤلاء الجهاديين الإفريقيين في إفريقيا إلى أسباب عديدة، منها:

- وضع المسلمين في الدول الإفريقية: ففي بعض الدول -رغم أن المسلمين فيها هم الأغلبية- ينص الدستور فيها على أن الدولة علمانية، وفي أخرى يعاني المسلمون مِن وضع الأقلية، وتختلف معاناة هذه الأقلية بحسب حجمها وتأثيرها الاقتصادي.

- العوامل والتحولات والمؤثرات المحلية والإقليمية والعالمية، وحالة الانقسام الشديدة التي يعاني منها المسلمون في إفريقيا نتيجة التباينات الفكرية والأيديولوجية المتعارضة أو المتنافسة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر2011م، وما بعدها.

- انتشار الفقر والجهل والتخلف الحضاري، وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العديد مِن الدول الإفريقية بصورة كبيرة، خاصة الدول ذات الأغلبية المسلمة.

- انتشار التبشير وحملات التنصير في إفريقيا بصورة واسعة ومكثفة، وهي حملات تمتد لأكثر مِن قرنين مِن الزمان سبقت وصاحبت الاستعمار الأوروبي لإفريقيا، واستمرت إلى ما بعد استقلال الدول الإفريقية، والتي مكنت مع الفترات الاستعمارية مِن تمكين التغريب، والتأثر بالحضارة الغربية بصورة أضعفت التمسك بالإسلام بيْن أبناء المجتمعات الإسلامية في إفريقيا، وأبعدت الكثير مِن المسلمين عن دينهم، فجاء رد الفعل عند البعض مبالغًا فيه.

ومِن أمثلة أنشطة هذه التنظيمات:

- تحول الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، على إثر إعلان زعيمها -أمير الجماعة- "عبد المالك درودكال" مبايعته لأمير تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن".

ويمكن القول بأن الحركات السلفية الجهادية التي انتشرت في الساحل والصحراء الإفريقية قد ارتبطت وتأثرت بفكر الحركة السلفية الجزائرية.

- دولة (أزواد) في شمال مالي: والتي أعلنت حركة أنصار الدين الجهادية السلفية عن ميلادها في يوم السبت 26-5-2012م بعد أن سيطرت على معظم المدن الرئيسية في إقليم "أزواد" بالاتفاق مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد.

وسعت الحركة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل فوري, وهدمت أضرحة وأثارًا تاريخية في مدينة (تمبكتو)، وأقامت الحدود، وفرضت ارتداء الحجاب، وفصلت الذكور عن الإناث في المدارس، كما قامت بمنع البث التلفزيوني العام، وأغلقت الحانات والنوادي الليلية؛ إلا أن التدخل العسكري الفرنسي المدعوم دوليًّا وإفريقيًّا وضع حدًّا لإقامة هذه الإمارة الإسلامية في نهاية 2013م.

وما زال هناك مَن يتوقع تحول الإقليم إلى صورة مشابهة لما يجري في أفغانستان لصعوبة القضاء على الحركة نهائيًّا، وتعد "مالي" مركزًا لجماعات صغيرة مِن الجهاديين قدِمت مِن منطقة الساحل الصحراوية "وموريتانيا على وجه الخصوص"؛ منهم مَن انخرط مِن قبْل في القتال ضد الروس في أفغانستان، ومنهم مَن انضم إلى حركة "طالبان" في قتال القوات الأمريكية، إلى جانب منتمين لجماعة الدعوة والقتال في الجزائر التي بايعت "تنظيم القاعدة".

وقد بسطت هذه الجماعات -على قلتها- نفوذها على مناطق واسعة مِن شمال "مالي"؛ نظرًا للفراغ الأمني في منطقة الساحل الصحراوية التي تقع على الحدود بيْن مالي وموريتانيا والجزائر، وتعد منطقة الساحل الصحراوية وشمال مالي مِن أكثر مناطق العالم فقرًا؛ حيث تعاني مِن غياب مشاريع التنمية، وتلعب القبلية دورًا أساسيًّا في تركيبتها السكانية، كما أن تضاريسها وعرة، ودرجة حرارتها مرتفعة.

ولا شك أن التدخل العسكري لا يستطيع أن يحل الصراع هناك دون الأخذ في الاعتبار الأسباب التي أدت إلى ظهوره.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.