الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 15 يونيو 2016 - 10 رمضان 1437هـ

رمضان شهر الجود والإحسان

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ" (متفق عليه).

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

ويُلاحظ ها هنا:

- أن ابن عباس -رضي الله عنهما- شبَّه جودَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالريح المرسلة، بل جعله أجود وأكرم منها.

والتشبيه بالريح المرسلة يتضمن:

- مسارعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في بذل العطاء والخير والجود، فهو كالريح في سرعتها.

- عموم الانتفاع بجوده -صلى الله عليه وسلم- وبذله، فهو كالريح المرسلة التي تعم بنفعها الكثير مِن الخلق والناس.

- قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَجْهُ التَّشْبِيهِ بَيْنَ أَجْوَدِيَّتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْخَيْرِ وَبَيْنَ أَجْوَدِيَّةِ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّيحِ: رِيحُ الرَّحْمَةِ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ -تَعَالَى- لإِنْزَالِ الْغَيْثِ الْعَامِّ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لإِصَابَةِ الأَرْضِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ الْمَيْتَةِ، أَيْ فَيَعُمُّ خَيْرُهُ وَبِرُّهُ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَمَنْ هُوَ بِصِفَةِ الْغِنَى وَالْكِفَايَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعُمُّ الْغَيْثُ النَّاشِئَةُ عَنِ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!" (فتح الباري).

- ولم يقصِر ابن عباس -رضي الله عنهما- جودَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على المال أو الصدقات ونحوها، بل قال: "أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مما يفيد الاستغراق والعموم، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان أجود ما يكون الإنسان بكل ألوان الخير وصوره مِن كل أحد، فكان جواد بنفسه -صلى الله عليه وسلم- وبماله، وبوقته وراحته، وبالدعوة إلى الله، وتعليم الناس العلم النافع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضاء الحوائج والسعي في مصالح الخلق، وغير ذلك مما يحبه الله ويرضاه.

- عَنْ عَبَّادِ بْنِ زَاهِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: "إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ؛ فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِّمُونِي بِهِ، عَسَى أَنْ لا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ!" (رواه الإمام أحمد في مسنده، وحسنه الشيخ أحمد شاكر).

فما أحوجنا إلى التشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والتأسي به في جوده وكرمه وإحسانه، خصوصًا في أوقات الحاجة والعوز والفاقة، وكثرة الفقراء والمساكين، وفي الأوقات الفاضلة كشهر رمضان.

قال الله -تعالى-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ) (المزمل:20)، وقال -تعالى-: (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) (التغابن:17)، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد:7)، وحذر الله -تعالى- مِن البخل وأهله فقال: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) (محمد:38).

- قال ميمون بن مهران -رحمه الله-: "لَدرهم أتصدق به في حياتي أحبُّ إليَّ مِن مائة درهم يُتصدق بها عني بعد مماتي".

- وقال الشافعي -رحمه الله-: "أُحِبُّ للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم".

جود النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه في نصرة الإسلام ومصالح المسلمين وحاجاتهم:

- عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: (لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا) قَالَ: (وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ) قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ" (متفق عليه). (وَجَدْنَاهُ بَحْرًا): أي واسع الجري.

- وعن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ القَوْمِ مِنْهُ" (رواه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر). والمراد: أنهم كانوا إذا اشتدت الحرب استقبلوا العدو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وجعلوه لهم وقاية؛ لقوته وشجاعته -صلى الله عليه وسلم-.

- وعن عبد الله بن شقيق -رحمه الله- قال: قلتُ لعائشة -رضي الله عنها-: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: "نَعَمْ، بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ" (رواه مسلم).

قال النووي -رحمه الله-: "قَوْلُهَا قَعَدَ بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ، قَالَ الرَّاوِي فِي تَفْسِيرِهِ: يُقَالُ حَطَمَ فُلانًا أَهْلَهُ إِذَا كَبُرَ فِيهِمْ، كَأَنَّهُ لمّا حَمَلَهُ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ وَالاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ صَيَّرُوهُ شَيْخًا مَحْطُومًا، وَالْحَطْمُ الشَّيْءُ الْيَابِسُ" (شرح النووي على مسلم).

فسبحان الله! أخذ الناسُ شبابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعافيته، وهو مع ما ذلك ما ملَّ قط مِن الإحسان إليهم والسعي في مصالحهم!

جود النبي -صلى الله عليه وسلم- بوقته وراحته:

- ذكر أنس بن مالك -رضي الله عنه- حديثًا عجبًا عن رجل في مسئولية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما عليه مِن أعباء، وما لديه مِن مهامٍ جليلة عظيمة، فقال: "إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ!" (رواه البخاري). والمراد بقوله: "لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-": غاية التصرف؛ فمهما طلبت الأَمة مِن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قضاه لها وأجاب طلبها، وذهب معها ولو كان مكانًا بعيدًا!

- وعنه -رضي الله عنه- أيضًا قال: إِنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: (يَا أُمَّ فُلانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ) فَخَلا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا! (رواه مسلم).

ولنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يهم امرأة في عقلها شيء -كما وصفها أنس رضي الله عنه-؟! ومع ذلك يعتني بها -صلى الله عليه وسلم- حتى يقضي ويحقق لها حاجتها!

جود النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمال:

- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "مَا سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ!" (متفق عليه).

- وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلامِ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الْفَاقَةَ!" (رواه مسلم).

- وفي رواية: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: "أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ!"، فَقَالَ أَنَسٌ: "إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" (رواه مسلم).

- وقال صفوان بن أمية -رضي الله عنه-: "وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَعْطَانِي، وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ!" (رواه مسلم).

- قال ابن رجب -رحمه الله-: "وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- كله لله وفي ابتغاء مرضاته؛ فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج أو ينفقه في سبيل الله أو يتألف به على الإسلام مَن يقوى الإسلام بإسلامه، وكان يؤثِر على نفسه وأهله وأولاده؛ فيعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثل: كسرى وقيصر! ويعيش في نفسه عيش الفقراء؛ فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر مِن الجوع... وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- يتضاعف في شهر رمضان على غيره مِن الشهور، كما أن جود ربه تضاعف فيه أيضًا؛ فإن الله جبله على ما يحبه مِن الأخلاق الكريمة، وكان على ذلك مِن قبْل البعثة" (لطائف المعارف).

مِن جود الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وإحسانهم:

- قال الله -تعالى- عن عيسى -عليه السلام-: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) (مريم:31). عن مجاهد -رحمه الله- في قوله: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا) قال: "نفـَّاعًا" (تفسير الطبري وابن كثير).

- وقال عن يوسف -عليه السلام-: كانت صفة الإحسان ملازمة له على الدوام حتى وهو في الحبس والسجن اشتهر بالإحسان وعرف به، حتى قال له الفتيان اللذان سُجنا معه: (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:36)، وقال له إخوته وهم لا يعرفونه بعد أن صار إلى الملك والحكم: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:78).

- وقال عن موسى -عليه السلام-: قال الله -تعالى- عنه: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ . فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص:23-24).

مِن جود الصحابة -رضي الله عنه- وإحسانهم:

- جود وإحسان أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟)، قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟) قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا! (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

- عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يجهـِّز جيش العسرة: عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَلْفِ دِينَارٍ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ مَرَّتَيْنِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

مِن ثمرات الإحسان:

- أن المحسِن ينال محبة الله -تعالى-: (وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ) (آل عمران:134).

- أن المحسِن ينال معية الله -عز وجل-: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ) (النحل:128).

- أن المحسِن يقترب من رحمة الله ومغفرته، وتقترب منه رحمة الله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف:56).

- أن المحسِن يُصرف عنه البلاء وسوء القضاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

- أن المحسِن يزيده الله -تعالى- مِن فضله ورحمته: قال الله -تعالى-: (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف:161).

- أن المحسِن يجعله الله في جناتٍ وعيون: قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات:15-19).

- أن المحسِن ينال شرف النظر إلى وجه الله -تعالى- الكريم: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس:26)، فالحسنى هي دخول الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم.

وغير ذلك مِن الثمرات العظيمة والكثيرة.

- وإن مما يعين المسلم على أن يكون مِن أهل الإحسان ومِن المتصفين به: أن يلزم مراقبة الله وتقواه؛ فبهما يُرزق العبد الإحسان.

ومِن ما يتأكد في رمضان مِن الجود والإحسان:

"الصدقة وإطعام والمحتاجين والمساكين - إفطار الصائمين - بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الزوجة والأهل - قضاء حوائج المسلمين والسعي في مصالحهم وحاجاتهم - الإحسان إلى الجيران - إدخال السرور على المسلمين - الإصلاح بيْن الناس - حسن الخلق وإلانة القول - التيسير على المسلمين وتنحية الأذى عن طريقهم - عيادة المرضى - زيارة الإخوان في الله - ... ".

نسأل الله أن يجعلنا مِن المحسنين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.